Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
اللحظات الاخيرة من حياة الامام علي... المفكر المصري الكبير عبد الفتاح عبد المقصود
الجمعة, تموز 18, 2014
حميد ال جويبر

اشرقت ليلة القدر من عليائها على العالم تعلن للناس بدء عام جديد في حياة الاسلام .. عادت دورة الفلك سيرتها الاولى لتحيي البشرية – روحا وعقلا وعاطفة – في ذكرى لمولد النور ..

فما بال قوم ، يُحسبون في المسلمين ، شاءت لهم اهواؤهم ان يسوءوا ، بالضلال والجريمة ، وجه هذا الموعد الاقدس الكريم وانه ليعيد الى قلوبهم وخواطرهم لحظة نزول القران الذي هو هدى ورحمة للعالمين ! .. ما بالهم قد آثروا ان يبخسوه حقه من التقدير والتوقير وانه للذي انتشل الورى واياهم من وهدة الغواية الى مرتقى الهداية ، واخرجهم اجمعين من عماية الكفر الى مشرق اليقين ! .. ما بالهم ابى عليهم العنت والجحود الا ان يستقبلوه بالاثم والعداوة ، وبالسيف والخنجر وبالسم والدم ، وانه لاولى بان يستقبله ابناء البشرية قاطبة ، في كل زمان ومكان بالذهن الصافي والصدر المفتوح والنفس الراضية والضمير النقي اذ هو مطلع المحبة والنور والسلام ! غير ان المتحيز لا يميز . العيون العمياء لا ترى الضياء .. القلوب الغلف لا تحس نعمة الله .. والسراب الخداع لا ينجب الماء .. فلم يكد ذلك النهار الايمن من رمضان يتضرج خداه بلون الشفق ، ثم تشبع دكنة الغسق في صفحة افقه ، ثم ينشق مساؤه عن سحر ليلة القدر ، حتى كانت زمرة البغي الموتورة قد تهيأت لاستقبال سماحته بالغدر ، ورحمته بالغلظة ، ورنقه بالعدوان ، فضمت جمعها على خبثها الفتاك ، ومضت خلسة – الا عن اعين الكراهية الحمقاء – لتعد لوحش الانتقام الرابض في مغارة دخيلتها، عشاءه الاخير ! .... في بضع دقائق كاختلاجة الهدب غدوا على قدم ! .. حسناء تيم الرباب خلبتهم روحا وعقلا وجارحة بسحر رقاها المسيطر الاخاذ .. جنوبهم انتفخت بتخمة الضغينة . خواطرهم اكتحلت بسواد الاغواء . مسامعهم امتلات بترنيمة الموت ! .. وعندما رات قطام انها ادركت فيهم الوطر ، وانهم باتوا في اصابعها عجينة لينة شكلتها كيف شاءت ، وان لحظة الثار تقبل بالخطى الحثيثة ، لفت صدورهم بعصائب من الحرير كثيفة مشدودة كانها الدروع ، تقيهم الطعن . ودعت لهم . ثم دفعت بهم ثلاثتهم الى المسجد الاعظم ، ليكمنوا به مقابل السدة التي لن يلبث امير المؤمنين ان يخرج منها بعد قليل في طريقه الى القبلة ليؤم الناس بين يدي الله ..

وقعدوا هنالك هنيهة على جمر من القلق والتحفز ، وان كادوا من جمودهم وتهافتهم ، لا يسمع لهم حسيس . كانوا مقوسي الجسوم ، مستنيمي الاعضاء ، خافضي الرؤوس ، وقد اوشكت جباههم ان تلمس الارض كمن في سجود . ولكن انحناءتهم كانت انطواء الافاعي ، وجلستهم اقعاءة الذئاب وعيونهم عين الصقور ! ..

وكما يفعل الزاهدون الاتقياء ، لاحوا كانما تسبح ارواحهم في عالم بعيد عن هذه الحياة .. وكما يخدع الحواة رائيهم ، اخفوا سيوفهم كالثعابين ، بين الثياب .. وكما الفوا الناس في كل فجر ، ارهفوا بالسمع الى وقع الخطى المستأنية التي توشك ان تجتاز الباب ..

وزحفت الثواني بالثلاثة بطيئة نحو موعد الصلاة وهم جمود ، في انتظار راكد ثقيل ، كانهم حجارة او اموات لولا ان شفاههم المزمومة كانت بين فينة وفينة ترتجف فلا يكاد احد يدري اعن رهبة اعترت اصحابها ، ام عن همس تبادلوه من وراء اسماع الناس ، ام عن تسبيح وتلاوة لبعض آي من القرآن كان الارتجاف ! .. واخذت وفود المصلين تتوالى تباعا على المكان ، فرادى وافواجا ، ما شغلهم النوم ، ولا همُّ الدنيا ولا برودة الشتاء عن الحضور تلبية لداعي السماء .. وكان المسجد الكبير – والفجر يهل بطلعته الناضرة على الكون – قد امتلا الى حافاته ، وانحشرت به الجموع الزاخرة حتى لبدا كانما توشك ان تنبعج جدرانه ، وينفجر لكثرة من فيه ! ..

كما يتفجر بركان ثائر ، تدفقت جموع المصلين كالحمم نحو السدة ، حيث كان الامام ، وانهم لينقبضون بالذهول ، وينتشرون بالذعر ، ويغوصون في الجزع ، وينتفضون بخشية المغبة ، ضاربين الى هدفهم بالساق والذراع كالذي اطاحت به عاصفة رعناء من حطام سفينة التقمها القاع ، فراح يسبح على غير هدى الى شاطىء مجهول ، في ظلام بحر لجي من القلق والضياع ، يغشاه موج ، من فوقه موج ، من فوقه سحاب ، ظلمات بعضها فوق بعض ، اذا اخرج يده لا يكاد يراها ، فما يهتدى الى بر آمن ، ولا الى بصيص نور ..

طائف كابوس ! ..

الهول يسود . يحاصر المكان ، ويطبق على النفوس .. القلوب بلغت الحناجر .. اللهوات ملتصقة بالحلوق .. الكلام شهقات .. الاعين اعتلت قمم الرؤوس ! ..

وما من شيء ،الى كل هذا ، يسعه ان يترجم المشاعر المضطربة ، مثل دمعة تنحبس ،ودمعة تنبجس ، واحدة يمسكها ان تفيض امل يوهمها تلطف القضاء، وثانية يرسلها فلا تفيض طغيان احساسها بنزوله .. ودهمت الناس ، في هذا المعترك الحافل باصطراع العواطف واختلاط الاصوات واصطخاب الضجيج، صرخة اخرى هلوع اطلقها حجر بن عدي ، كسهم مسموم وكيانه كله يفترسه العذاب :

"قتل امير المؤمنين ! .. فجمدت انفاس الناس . لكنه لم يكن قد مات .. الذبالة ما برحت تخفق بومضات ضياء .. الزيت لم يجف في السراج .

فالذين خفوا على صرخة حجر الى الامام ، راوا جسده مازال زاخرا بنبض الحياة .. جبروت قوته البدنية ، لاح كانما استطاع ان يعبر به الضربة المصمية بسلام . عتو قدرته على الاحتمال ، بدا كانما ابتلع الالام . جلد سخر بالمحنة . ولولا الدم الذي شهدوه ، يقطر من راسه على وجهه ،على لحيته ،على صدره ،على ثوبه لما خامرهم شك في انه معافى ،ولخالوه على نحو ما طالما الفوه .

كان ثابت الجنان ،ركين البناء ،راسخ القدم ،مهيب الوقفة والهيئة ،وقد استند بظهره الى الجدار وواجه بنظرته الجمهور .. قوامه مشدود . عيناه تلمعان . محياه منبسط القسمات ، شفتاه تلونتا ببسمة هادئة آثر ان يرسمها عسى ان تخفف من جزع الناس. وامتدت يمناه في هوادة ادنى الى سكينة الطمأنينة ، تتحسس الجرح الغائر الذي شق راسه الى الجبين ، ثم تنحدر منسابة على صفحة وجهه ، لتمر بلحيته التي اغرقتها الدماء .. ولم يقل كلمة تنم عن قلق . ولا اومأ ايماءة تشي بضيق .. انما لانت ملامحه ، وظهرت عليها علائم الارتياح وهدوء البال ، وهو يقرب يمنى كفيه من عينيه ، يحدق فيها بامعان نظر وتامل ، وقد زوى ما بين حاجبيه - كمن يحاول ان يطالع – فيما صبغها من خطوط وبقع حمراء ، بضع كلمات سطرها القدر على راحته المخضوبة بمداد دمه المسفوك ! ..

وتهللت اساريره ، وقد برقت في ذهنه الذكرى – من خلف السنين – كشعاع :

"ستضرب على هذه .. فتخضب منها هذه .."

صدق رسول الله ..

وماله لا يطيب نفسا ، ولا تترقرق الفرحة في محياه ، وقد شارف ما كان يتمناه ؟ في الليلة الماضية ، كانما هفت روحه الى محمد ، فرآه في المنام ..

يقول الامام ، شاكيا له :

" يا رسول اله .. ماذا لقيتُ من امتك من الاود واللدد ! .."

فيقول الرسول :

"ادع عليهم .."

فيتجه الى ربه :

"اللهم ابدلني بهم خيرا منهم ، وابدلهم بي من هو شر مني .."

ثم تحل به ، بعد ساعات هذه الضربة الفاتكة ، التي اوشكت ان تخرج الموت من الحياة .. فهو يرى فيها جسره للعبور الى من هو خير من كل اولئك الذين شاقوه ؟ هلا تكون بشيره بلقاء رسول الله ! .. غير ان تلألؤ محياه كان كالوهج الذي يكشف ما حوله فيبديه باهتا تنتشر على جوانبه ، ومن ورائه ، الظلال .. فعلى وجوه الذين احاطوا به تراءت سحائب قاتمة من الحزن والالم ومن الندم والحسرة ومن الشرود والوجوم ..

بوجه ابن ابي الساج ، بدا مثل الشعور بالاثم ، الى جوار بهتة مبهوت .. فهو الذي آذن الامام من قليل ، بصلاة الفجر ، وخف يتبع خطواته الى المسجد الكبير .. فلو انه لم يكن آذنه ! .. لو انه لم يكن دعاه للصلاة ! .. إذن لعله كان لا يخرج للناس خرجته هذه .. ولا حرج عليه لانه ، كما يعلمون ، مريض منذ ايام .. لعله يتاخر عن موعد الفجر الدامي ، ويتقدم لامامة المصلين سواه ..

بوجه حجر بن عدي امتزج الغضب بالالم والوجوم بالحسرة .. انه لغاضب على نفسه ، ناقم منها ، يجرعها مرارة اللوم كما جرعته وجرعت الامة ، غصص الالام .. فما لقدميه خذلتاه ، في اللحظة الفاصلة ، بل خانتاه ! .. ما لوثبته لم تقطع على القاتل الزنيم الطريق ! .. فلو انه سبق سرعته ! .. لو انه طار وان لم يكن من ذوات الجناح ! .. اذن لترس عن الامام فتلقى الضربة بيمينه .. براسه .. بصدره .. بكل قلبه الممزق المفجوع ! ..

بوجه عبد الله بن محمد الازدي ، سرح الشرود والضياع .. كيف نطت عينه لترى وتسجل ، وشلت يداه ان تمنعا الكارثة ! .. كيف ركن الى المشاهدة وذهل عن العمل! .. فلو انه هب من مسرح رؤيته بجوار السدة ! .. لو انه تحرك عند اندفاع عبد الرحمن ! .. اذن فلربما كان يعرقل المجرم ، او يطيش ضربته ، او يخفف وقعها على هامة الامام فيتأجل القضاء بعض حين ! ..

بوجه المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب غيظ محسور ، مغلول اليد ، مفلول الحد ، كم كان يود لو تركه ينفجر عسى ان يبرد ناره ، ويشفى غليله ! .. لكنه – امتثالا لامر رسول الله – لم يكن يملك الا كظمه ، والا معاناة ضغطه القاسي ، بوقرة الخانق الثقيل ، على صدره ، وعلى فكره ، وعلى كل حاسة وجارحة فيه .. فلو انه لم يكبح نفسه ! .. لو انه مزق ابن ملجم بنفس سيفه الذي انتزعه منه ! .. لو انه نهش لحمه ، ولاك جلده ومضغ عظامه ! .. لو انه مثل به ، وان نهى – بادب محمد – عن المثلة ولو بكلب عقور ! .. اذن لكان هذا اشفى له ، وأذهب لبعض غيظه ، وأدنى الى تفريج شي من همه من اكتفائه بالانقضاض على الوحش ، وشل حركته ، واسلام امره الى عدالة القانون ! ..

بوجه الحسن بن علي ظل حزن مكتوم قد عاث بقلبه عيث اعصار جائح لم يدع منه غير فتات ، ثم عبث بملامحه ، فغير لونه ، وغور عينيه ، وحفر اخاديد عميقة في جبينه وخديه قفزت بعمره الى وهن الشيوخة وانه بعد لفي عنفوان الرجولة .. كان يحس فداحة الالم المضني الذ يكابده ابوه . ويشفق عليه من هذا الجلد الذي اصطنعه ، وقهر نفسه على احتماله ، ليخفف عن الناس وقع بلواه . ويدرك ان خطبه ، وخطب امته فيه ، ليس مما يستطيع ان تصفه المشاعر، او يرسمه التعبير ، او تتسع له رحابة العزاء .. قلبه يحدثه ان التفاؤل قد هاض ، و الامل قد تهاوى ، وطلائع الموت قد اخذت تضج ضجيجها ، بكل ايدها وقوتها ، لتسحق الحياة ، وان هي الا مثل خفقة ثم يخبو السراج ! ..

لكنه غالب دمعه الذي كان حائرا حينذاك في مقلتيه ، ليبتسم في وجه ابيه .. ثم دنا منه يحتضنه بذراعين مشى فيهما ، مع الحنان ، الارتجاف وهو يهم ان يعينه ليبرحا مسرح الماساة . فما كاد يفعل حتى احس بالامام يدفعه قليلا باحدى يديه ويشير بالاخرى ناحية ، وقد بدا في عينيه انكار .

وتلفت الحسن ينظر هناك .

على منأى خطوات ، بجانب من المسجد غرق في الضجيج ، شهد جموعا من المصلين يحيطون بابن ملجم ، وقد هاجهم الغضب والاسى ، ينزون عليه بما في ايديهم ، ويركلونه ان وسعهم ان يحركوا الاقدام ، وينهشون لحمه بانيابهم كالسباع ، وسمع اصواتهم الهادرة تعتوره ، بما تستطيع السنتهم ان تقذفه من حمم الاقذاع .. "يا عدو الله ! .. " "قتلت خير الناس ! .." "أهلكت امة محمد ... " .. والمجرم بينهم صامت لا ينبس بكلمة ، جامد لا يدفع عن نفسه ، كانما فقد الشعور . كانما تحول لتمثال . ولا غرابة ان هو غاب عنهم بوعيه لانه عندئذ يتبع خطوات رفيقيه الى دمشق والفسطاط ، لينعم معهما بنصر كنصره اذ قتلوا رؤوس الضلال ! .. ولا غرابة ايضا لو احتمل هذا البلاء الذي يصبه عليه الناس ، لانه كان احرى بان يتلذذ بالتعذيب كما يتلذذ شهيد ! ..

وخف بضعة من رجال الامام الى تلبية اشارته ، فانقذوا الجاني من سخط الجمهور .. وعلى الاثر تحامل عليٌ على بقية عافيته ، وانطلق يجتاز السدة عائدا الى غرفته يحف به نفر من الآل والصحب . وعندما توسد فراشه تعلقت ابصارهم بوجهه وقفزت آذانهم الى شفتيه .. وسمعوا انفاسه تتواتر في رتابة وانتظام ..

ورأوا ملامحه قد كساها الهدوء . وعينيه تجولان فيهم هنيهة بنظرات ملؤها سكينة ورضا ، تشيع في قلوبهم طمأنينة ثم تجاوزهم الى ما وراءهم ، وهي تتلون بالحنين ... فلعلهم حينئذ احسوا بشىء من الامن . لعلهم تطلعوا الى غد يجيئه بالبرء ، ويجيئهم بما يقشع الغمة . لعلهم توسموا في الصباح الذي يهم ان يسفر ، بشير رجاء ... فأما الحسن فقد انس غير ما انسوا في تلك النظرة الساجية المترحلة عبر النفر المحتشد حول الفراش . عبر الجرح والالم والاحزان .. عبر دنياه ودنيا الناس ... ليوشك ان يتبينها 

تسبح الى عالم غير منظور . تطير لمهوى الاشواق . تهفو الى لقاء رسول الله .. وما كان الفتى ، بتصوره هذا راجما بظن ، ولا اسيرا لوهم . ولا سادرا في خيال .. بل كان يتروح ذكرى ماثلة ويستعيد كلمات ، ويستنىء ما سمع مغزاه.. فقد روى له ابوه ، قبيل الصلاة قصة المنام ..

... واما النفر الملتفون بالجريح فقد افلت منهم الرجاء الذي تلقفوه ، وتمزق الامن الذي خالجهم ، واناخ عليهم الروع الذي حبسوه ، منذ قليل ، قد انزاح حين رأوا اثير بن عمرو بن هانىء الطبيب ، يميل فيهمس باذن الامام بعد ان فحص جرحه :

"اعهد يا امير المؤمنين ."

وحلق الكمد في جو الحجرة ، مع اللهفة ، والاحساس بالضياع .. ولكن الامام بدد الوجوم الثقيل اذ دعا بالقاتل فادخلوه .

فقد امتلا المكان بالهمسات . ثم سرى صوت علي، رصين النبرة ، واضح الجرس يقول :

"النفس بالنفس . ان انا مت فاقتلوه كما قتلني وان سلمت رايت فيه رايي ." . فكانما تملكت نشوة النصر القاتل ، فقال في شماتة وخيلاء ، وهو يعني سيفه بالمقال :

"لقد اشتريته بالف ، وسممته بالف ، فان خانني ابعده الله ! .."

وكثر اللغط . وتشابكت عبارات . وسالت عبرات ..

ولكن الامام حسم النزاع ..

امر فخرج الآثم ..

وامر فخرج الناس .

واسلم قلبه الى السكينة وهدوء البال ، ينفرد باشواقه . في انتظار لحظة للقضاء .. فلقد عهد عهده . وادى ما عليه . وجالد الدنيا لينقي الانفس وينشر النور .. وان هو الا يوم وبعض يوم ثم يكون لقاؤه باحب الخلق ، رسول الله .

وعندما مالوا بجثمانه يوسدونه التراب ، كانوا يميلون عندئذ برجل يعز ، الى ابد الدهر ، مثله في الرجال .. بربيب محمد ، وصاحب نجواه ... بحامل مشعل هداه . بقرين لبنته سيدة النساء الزهراء ..

وعندما سرى نبأ موته في الناس ، لم ير قط باكيا كذلك اليوم ، الذي دهم البشرية كلها بداهمة قاصمة ، اصمت النبل والشرف والمثل الرفيعة التي تعز الانسان ، واحرقت الامة بنار لا يطفىء لهبها بكاء ..

وعندما بلغ الخبر مدينة الرسول ، وزلزلت به الانفس ، ادارت ام المؤمنين عائشة فيما حولها عينا غائمة ، ثم نفثت بلهجة كانها انين :

" والقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينا بالاياب المسافر ! "

ومسحت دمعة تحدرت على خدها وهي تقول :

"رحم الله ابا الحسن ! .."

فقد مسح الموت الخصومة ، وحسم اختلاف الاحياء ..

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.44373
Total : 101