ندما تصادف مجتمع او مجتمعات وصل التكلس في مفاصلها وعلى جميع المستويات الانسانية علمية كانت اوفكرية سياسية اقتصادية اوتربوية اخلاقية قيمية او سلوكية او... الى حد الكساح والعجز عن الحركة والعقم عن الولادة والتجدّد ، فلا ريب ان سبب اعاقة هذا المجتمع ، وتوقفه عن النمو هو عدم ( امتلاكه لآلية منهجية للنقد الفكري او العلمي ) التي تعتبرهي وليس غيرها محرك المجتمعات ، ودافعها للمراجعة ، والتطور ، والتجدد والنشاط والتقدم والاضافة !!.
ولكن من جانب اخر فان التجربة الاجتماعية التاريخية والمعاصرة تؤكد لنا ايضا ان سبب انهيار ، وتفتت المجتمعات الانسانية وكذا حلّ عراها السياسية والفكرية والاقتصادية والتربوية والقيمية الاخلاقية و ....الخ هي ايضا بدأت بعمليات نقد ( سياسية كانت ، دينية او اقتصادية او اجتماعية تربوية او قيمية اخلاقية .. ) ولكن سرعان ما تحول هذا النقد بدلاًمن كونه بانياً لحياة المجتمع ومطورا لفكره ومجددا لاقتصاده ومضيفا لعلمه و... تحول هذا النقد لمعاول تهديم اجتماعية وسياسية وفكرية وتربوية و... لن تقف (ماكنة النقد الهدامه ) هذه حتى تاتي على كل قائم من المجتمع لتتركه من ثم قاعا صفصفا تذروه رياح الخراب والضعف ، والتشتت ، والانهيار والسقوط و .... امام اي هزة صغيرة اوكبيرة تُقبل عليه من قبل عدو يتهدد المجتمع من الداخل او الخارج !!.
فياترى اولا : كيف لنا ان ندرك ونعي هذه (الازدواجية الوظيفية ) في عملية النقد هذه ؟.
ثانيا : ماهو المائز الحقيقي بين ماهو نقدي باني ومثمر وايجابي لاي مجتمع حلت فيه عملية النقد هذه وبين ماهو نقدي ذاتوي وغيرموضوعي وعبثي في هذا الاطار ؟.
طبعا لانود الحديث هناعن مسيرة النقد التاريخية وكيفية تحول هذا النقد اليوم الى مدارس ومناهج متعددة ( سياسية وادبية وعلمية واجتماعية... ) ومختلفة بعضها عن البعض الاخر !.
ولا نرغب كذالك بفتح ملف فلسفة النقدعندما يكون لهاهدف وغاية والنقد من اجل النقد في فلسفة الصراع الدائمة التي لاتقف عند محطة تذكر !!.
فهذا حديث يطول ويتسع فرشه من جهة ، وهو حديث بعيد عن محور مقالنا هذامن جانب اخر لكن مايتصل بمحوركيفية التمييز بين النقدالايجابي العلمي الباني للمجتمعات وعمرانها واختلافه عن النقد الهدام العبثي فيكفي ان نشير الى خصيصة واحدة فقط وهي :
ان اهم ما يميز النقد العلمي الباني والمثمرعن النقدالعبثي السوفسطائي الهدّام هو امتلاك النقد العلمي الايجابي ( لمنهجية ) نقدية منطقية (( تحكم الناقد في مساراته وتناولاته الفكرية)) وهذا بعكس النقدالذاتوي الفردي الشخصي الذي لايمتلك منهج ، او طريقة منطقية ، وانما هو يخضع ( عملية النقد ) بالكامل للشخصانية والفردية والايدلوجيه والانتمائية و... الخ !.
بمعنى اوضح : يتميز النقد البنّاء انه نقد يمتلك منهجا فكريا وطريقة منطقية تمكن عملية النقد هذه من ممارسة (( منهجية النقد )) على اكثر من موضوع وجهة وهي منهجية تتحكم بالناقد ومساراته النقدية ، وليس العكس بان يكون الناقد موجها لهذه المنهجية كيفما يرتاي وحيثما يريد !!.
فمثلا :يتميز الناقد المنهجي انه ناقد يمتلك طريقة واسلوب تفكير منظم بحيث انه عندما يبحث او يحاول نقد اي موضوع انساني فكري او سياسي او ديني او اجتماعي او.. فان منهجيته النقدية لاتختلف بين هذا الموضوع اوذاك وهو لايعنيه ماهية الموضوع وموقعه سواء كان دينيا مقدسا اوعلميا او سياسيا او ... غير ذالك ، ولكن ما يهمه هو : كيفية انزال هذه المنهجية النقدية على هذه القوالب الفكرية والاجتماعية، التي يبحث عن النقد في بناءاتها الفكرية ليصل الى ( هدف) تقويم الاعوجاج او تهديم الضار من الفكرة والاشادة بماهو نافع ومفيد اينما كان مسمى الفكرة او موقعها الانساني لاغير !.
اما الناقد غير المنهجي ، وخاصة المؤدلج من النقاد المحدثين فانهم نقاد عادة ما يفتقدون الى منهجية نقدية علمية وبهذا ترى جلّ او معظم نقوداتهم الفكرية هي نقودات ذات ( اتجاه واحد ) وبسبب عدم امتلاكهم لمنهجية نقدية متكاملة فان النقد يتحول عندهم من رائد في العمل الفكري النقدي الى مقود يوجهونه حسب انتمائاتهم الايدلوجية ، او اهوائهم النفسية او الشخصية ليفضي اخيرا الموضوع ونقده بلاقيمة علمية او فكرية او حتى قيمة عملية اجتماعية !!.
كثيرامن هؤلاء النقاد(اللامنهجيين) تراه يقضي جلّ عمره في نقد الموضوعة الدينية ومقدساتها المزيفة ( مثلا )لكن عندما تطالبه بنقد اي مفردة خارج هذا الاطار الديني فانك ستصادف ناقدا لا يدرك اي معنى منهجي من النقد ابدا او تصادف ناقدا لايملك اي فكرة عن ( المنهجية ) النقدية ، بل هو يعتقد ان النقد ( آليه فكرية ) لتدمير المختلف الاخر فكريا او عقديا او ايدلوجيا لاغير !!.
وهكذا في الجانب الاخر عندما تصادف شعلة نارية ، نقدية دينية لكل الفكر الانساني الفلسفي اوالاجتماعي الغيرديني فانك ستقرأ وتسمع العجب العجاب من النشاط النقدي ، ولكن ما ان تطالب هذا الناقد بان يخرج من اطار انتمائه الديني ليمارس منهجيته النقدية على الافكاروالمقدسات الدينيةلاسيما الخرافية غيرالعلمية منها التي يؤمن بها نفسه ، فانك ستصادف ناقدا لايسمع ولايرى ولايفكر داخل هذا الاطار ، بل انك ستصادف ناقدا لا يدرك من النقد مفهوما ومعنى سوى انه عملية (( دفاع او تفريغ نفسية )) ، لضغوط الاحقاد والعقد الشخصية الداخلية ضد هذا المختلف او ذاك لاغير !!.
والحقيقة ان امثال هذا النقد هو ليس فقط نقدا لاعلميا ، او لايمت بصلة للنقد المنهجي فحسب ، او لايمكن ادخاله في مفاهيم النقد الحديثة صاحبت المناهج والمقدمات واساليب العمل والاهداف والغايات البنائية، بل انه نقد واذا درسنا اثاره وانعكاساته السلبية على المجتمع وكذا خداعه او تلبسه لمشروعية النقد داخل اي مجتمع فانه يمثل ( معولا او ) خطرا واقعيا على قيمومة الاجتماع ووجوده وتلمس طرق تطوره وتقدمه و.. الى ما هنالك من ثمار تتركب على المنهجية النقدية لاي مجتمع لكنها تكون ابعد شيئ عن عبثية النقد الفارغة !.
نعم (النقد منهجية ) وبلا هذه المنهجية يفقد النقد مشروعيته كما يفقد مبررات وجوده الفكرية ، وهكذا يفقد النقد فاعليته في البناء ، ليتحول الى عبث فكري يمارس (جنون النقد او ايدلوجيته ) المدمرة والناقد الذي يمارس عملية النقد بلامنهجيةاويعتقد ان النقد ترف فكري اوانتماء ايدلوجي لهذه الحزبية الفكرية او السياسية او المذهبية او .... تلك ، امثال هؤلاء النقاد ( ومعظم من التقيت منهم هم نقاد جهلة لايدركون حتى معنى النقد ومدارسه ) في الحقيقة لايمكن اسباغ صفة النقاد عليهم بقدر اسباغ صفة (( العبثيين والفوضويين)) على ما يطرحونه من افكار في هذه الحياة !!.
مقالات اخرى للكاتب