يدور الحديث بين الحين والاخر في ورش النشاطات المدنية بمختلف المدن العراقية، كذلك وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن اعادة النظر في ملف المظاهرات بعد ان فقد بريقه الاخّاذ وتحوّل الى مجرد عادة اسبوعية يمارسها الناشطون المدنيون كما اعتادوا الذهاب مثلا اسبوعيا الى شارع المتنبي!
لقد تراجع الحديث عن الاصلاحات، العبادي بدى وكانه في موقف لا يحسد عليه، الكتل السياسية اعادت النظر بحزم الاصلاح التي اصدرها ورفضت بعضها في امل اعادة النظر في الجزء المتبقي، المرجعية لم تعد تتطرق كثيرا لملف الاصلاحات. الشارع هو الاخر لم يعد يتفاعل مع ذلك الحراك الجماهيري بعد ان فقد بريقه ويوما بعد آخر ينتهي ذلك الملف تدريجيا الى حيث اللاجدوى كما انتهت الكثير من المحاولات السابقة. فبعد اسابيع من الارتباك عادت القوى السياسية الى هواياتها السابقة، تتحاصص كل شيء، لا تبالي ولا تأبه كثيرا بما يدور عنها في الشارع العراقي او في وسائل الاعلام.
وفي الحقيقة فان ملف المظاهرات المدنية في العراق برمته يعاني من اشكالية كبرى تجعل من ملف المظاهرات بهذا الشكل مجرد محاولات مفروغة من محتواها وعديمة الجدوى. فالمظاهرات التي قامت بها جهات مدنية ووجوه اعلامية وحقوقية بارزة وان كانت بمثابة نشاطا مدنيا مفتوحا وورشة مطلوبة جدا تصقل الحراك المدني وتضبط ايقاعه حينما يهوى ممارسة ايّ حراك عام ضاغط على الدولة العراقية، لكنها طالما تبقى منضبطة الايقاع ومحددة الاهداف لا تمثل خطرا بالنسبة للسياسيين العراقيين، ان الكتل السياسية قادرة على التكيّف مع نشاطات من هذا القبيل. ان الارتباك الذي بدى واضحا على محيا السياسي العراقي في الايام الاولى للمظاهرات لأنه كان يتوقع ان تتسع ويصعب السيطرة عليها مما يعني ان جميع الخيارات مفتوحة، وان مصالح القوى السياسية جميعا قد تكون في مهب الريح. وبعبارة اخرى فان اللا انضباط والتهديد بالفوضى العارمة هو ما يهدد السياسيين العراقيين ومصالحهم وهذا الخيار قد يقودنا لأسوأ مما نحن فيه.
مقالات اخرى للكاتب