غصن آخر من اغصان شجرة الصحافة العراقية، تطاير على السطح، ورمته ريح اللامبالاة الى اللا مستقر، فسقط بالضربة القاضية على ارض غير رحيمة، حيث لم يقوى على مسك غصن ديمومة الحياة .. هذا الغصن تمثله مجلة (الف باء) التي اعيد اصدارها بجهد شخصي من قبل الزميل شامل عبد القادر، لكنها انتهت بعددها الـ 29 رافعة راية الاستسلام، لفقدان الرعاية والدعم من كافة الجهات التي ينبغي ان تكون من اولى مهماتها تشجيع الصحافة والاعلام، من خلال حصة عادلة من الاعلانات والاشتراكات الحكومية .
قبلها توقفت لذات السبب، صحف يومية واسبوعية ومجلات وفضائيات، دون ان يرف جفن لمسؤول، او يتداعى الجسم الصحفي والاعلامي والمنظمات المعنية، ولجنة الثقافة والاعلام البرلمانية، لعقد ندوات ودراسات، لوضع الاصبع على الجرح النازف .. فربما يأتي يوم نرى فيها بغداد، خالية من الصحف عدا، صحف الدولة !
اين صحف : البيان، الغد، المستقبل، بغداد وغيرها و غيرها .. يبدو ان التوقف كان آخر الكي، لهذه الصحف والمجلات، بعد معاناة طويلة، واستنزافات ، لم يقو على استمرارها اصحابها، فاتجهوا الى غلق الابواب، وتشريد مئات العاملين من الصحفيين والفنيين .. هم الآن بلا عمل، واظن ان عددا آخر سيلتحق بقافلتهم، حيث اسمع ان بعض الصحف والفضائيات ، قلصت اعداد موظفيها الى النصف، وهي ايضا تتلكأ بدفع رواتب البقية الباقية من العاملين لديها .
مجزرة حقيقية، ترتكب بحق الاعلام العراقي، والجاني يتفرج ..!
انني ارى ان الحقيقة القائمة الان في مجتمعنا الاعلامي هي بين الواقع القائم، والتنظير الذي نسمعه ، وبين الأزمة والتفكير في حلها، بين المعطيات، والمنهج في قراءة المشكلة وإرجاعها لأسبابها، هي بين الذات، والموضوع، بين التنظير، والتصور اللاحق لما يليه.. لقد نسي البعض، ان الاقتران بين الواقع، والممارسة يدل على واقعية الرؤية وإمكانية التطبيق، وإلا يكون الكلام عن هذه المشكلة في جهة، والواقع في مكان آخر… فالانشطار الكبير في الرؤية بين الماضي التراثي للصحافة العراقية ومكانتها، وكيف نتعامل معه ونقرؤه على حقيقته، وبين الحاضر المُعاش الذي يفرض نفسه اليوم بون شاسع، ومرير….
ان التخبط والانهيار والتجاذب، والصراعات التي تحيطنا وتسكننا، سيكون ضحيتها الصحفي والاعلامي، ولاسيما الجيل الجديد من خريجي كليات الاعلام في الجامعات ..فهل انتبهنا الى ذلك؟
عذرا، فانا حملت اليوم في مقالتي ورؤاي، قربة ماء مثقوبة، وذهبت لأجلب ماء من نهر أجاج ..!
لا اذن تسمع، ولا ذهن يستقرئ .. وانا لله وانا اليه راجعون.
مقالات اخرى للكاتب