البارونة ايما نكلسن ما كانت تنتظر وصية من كاردينال ولا من رجل دين او عالم فقيه اسلامي لتعبر عن حزنها الانساني و تعاطفها العملي من نازحي ومهجري العراق، فقطعت الطريق من المملكة المتحدة الى خيام الايواء بكردستان لتأكل مع الاطفال والنساء وسط البرية وتحت اصوات القنابل، لم تكن السيدة ترضى ان تقود لنفسها حملة دعاية، بل تحركت ومعها كثر من اصحاب المشاعر لتطييب جراح في بلادي، جلست نيكلسن مثلما جلس اخرون على سبخة الارض لتبتسم بوجوه ارهقها الفقر والخوف و العوز، ساعية لتقديم ما بطاقتها علها تترك نفسا من راحة لمهموم طردته داعش وسلبته فتات مايملك، او نفر هاربا من ممارسات لا مسؤولة تحاسبه على طائفته و لا تنمي عراقيته التي من المفترض اننا نشترك بها مهما تعددت منابتنا.
تألمت كثيرا صباح اليوم عندما نقل لي صديق من الثقاة مشاهداته للمارسات شعبية عراقية غاية في الانانية و الدفع البرجوازي الذي يتصف باللامسؤولية الاخلاقية امام الحزن لموت شخصية ما ايا كانت فيما لايحس كثير الالم الحقيقي لما تعيشه البلاد منذ اخر و اصعب ازمة اجتماعية و امنية تتمثل بدخول داعش على خط سلب الانسان و الارض، مع ماصاحبها من جوق سياسي احمق يخون ساعة ويكذب ساعات و يطبل ويبكي كذبا على ضياع الانسان في زمن كنا نرجو فيه عراقا افضل.عراقيون في عاصمة عربية يطورون الانانية وطقوس مابعد الموت لتكون تقليعة وسنة سيئة عليهم وزرها ووزر من يعمل بها الى يوم الساعة!.
فبدل فتح حساب او شراء مستلزمات من حاجات الصيف التي تستر مهجري العراق في مخيمات الداخل”الحمدلله” الذي لازالت فيه نخوة بين القوميات تنبض بالغيرة، فأن عراقيو تلك العاصمة تدبروا ثوابا جديدا ينزل على سمعتهم لا على روح المرحوم، حيث يقدمون للمشاركين في العزاء ثوبا اسود غاليا، او سادة مريحة برونق قماش كشميري النسج!.كم كنت ارجو ولو خبرا واحدا عن جهد فردي او عائلي و لو بمائة دولار تصل لشراء مروحة منضدية، او دواءا لطفل او مهدا لوليد عصفت به السياسة فنهشته داعش!.
اي سلام اجتماعي بعد ذاك نحكي به وعنه؟
كنا قبلا ان مات جار او اراد انشاء داره استوعبناه و اثاثه في بيتنا واغتسل عمال بناءه بحمامنا، او نبعث غداءا لجار بين فترة واخرى، بل ان بعض العراقيين اخفوا مسفرين عندهم شهورا و بعضهم الاخر منحهم اسمه ولقبه وتحدى السلطة التي تلوح بالشنق لكل متعاطف.
ماذا اصاب الناس الان؟
واي سخف وبلادة تحكم عقول من لا يشعر بفصول الازمة ويمكن ان يسهم بحلها ولو بفردية، حتى نحن ، حيث اجزم اننا لم نبخل بل وجب علينا ان نفعل خيرا في السر، تلك فطرة في الانسان كفطرته ان جاع او فرح او حزن، لكن ان يصل الحال لممارسة العز من اجل العز وبحثا عن سمعة موت انيق بثوب يكون رحمة ونورا على ميت وبدل القهوة و الشاي و القران والصبر على المصيبة، نتحول بغرابة الى دجل جديد في العطاء غير المطلوب فتلك ليست من علامات الساعة بل من علامة العهر العائلي!.
ايها الاخوة تذكروا الله في انفسكم و الناس، وتذكروا ان الموت لايمحو الحسابات لأجل ثوب انيق يأخذه المعزي فيبهت منكم يستحي ان يرده بوجهكم ولا يكتم نفسه من نقده لكم و استغرابه اخلاقكم الغريبة.اين صومكم واين خطب الجمعة منكم و اين الصور التي تعلقون و الايات التي ترفعون و الدعاء الذي تحفظون؟
خيرات مابعد الموت ثواب بمكانه و لمن يستحق، والراحل مهما كان عزيزا فلقد تكور ملفوفا بخام من القماش ابيض تحت تراب الارض و بين يدي الله فلا تحملوه وزر سفهكم و لا تجعلوا الناس تسفهنا اكثر ولا تزيدوا من الم المهجرين لقلة شعوركم وليقبل الله من المحسنين!!.
مقالات اخرى للكاتب