في الجهة الغربية من العالم حدث ما كان متوقعآ ليلة يوم الاحد البارحة للشعب البرازيلي ,ولأنهم شعب واعي وحضاري ومتمكن من اختيار نوابه بصورة ديمقراطية حقيقية , وبعيدآ عن الفتاوى الدينية الكنسية الملزمة لتحريم انتخاب قائمة دون غيرها من القوائم الانتخابية الأخرى , ولأنهم لا يعيرون اي اهمية إصلآ وبالأساس لمثل تلك التخرصات والفتاوى , ولأنهم ليس لديهم نواب يحجون الى مرجعيتهم الدينية الكنسية كلما مر برلمانهم بأزمة سياسية عاصفة , ولا يوجد لديهم محاصصة طائفية ومذهبية وقومية بالية ,ولا رؤساء احزاب وقادة سياسيون تحركهم مثل دمى العرائس بعض دول الجوار لبلدهم , ولا يرسمون سياستها الداخلية والخارجية بالخفاء ولا بالعلن وبدون أي خجل أو حياء سياسي , وليس لديهم مرجعية دينية لنوابهم وقادتهم السياسيين , ولأنهم شعب متحضر في فعله الديمقراطي وعمله السياسي , فقد انتفض مجلس النواب البرازيلي ليلة الامس الاحد ضد رئيسة البلاد السيدة "ديلما روسيف" وتم تنحيتها من كرسي الحكم الأول , وذلك بسبب سياستها الاقتصادية الفاسدة ,والتلاعب بأموال الشعب ومقدراته الاقتصادية , مما أدى وبالنتيجة لهذه السياسات الاقتصادية والاجتماعية الى ركود اقتصادي متفاقم لم تشهده بلادهم طيلة اكثر من خمسة وعشرون عاما الماضية ,والاهم من استعجال مجلس النواب بتنحيتها هو تورطها شخصيآ وبصورة مباشرة في بعض عقود الفساد لشركة النفط الوطنية بالإضافة إلى أنها أصبحت غير كفؤة في إدارة شؤونهم الحياتية والاقتصادية وإلى إدارة شؤون بلادهم , ونتيجة لكل هذا لذا فقد انتفض مجلس النواب البرازيلي ضد رئيسة البلاد وقبل 18 شهرآ من نهاية ولايتها الرئاسية الثانية , وتم الترجمة وبصورة فعلية وفورية ما طلبته الجماهير البرازيلية المنتفضة من مجلس نوابه بتنحية رئيستهم , وهذا ما تم لهم ولمطالبهم المشروعة, ولم نشاهد بعض النواب الممتعضين وغير المصوتين على إقالة رئيسة بلادهم أنهم سارعوا إلى مرجعيتهم الدينية الكنسية لغرض المطالبة بتدخلها لعدم تنحية رئيسة بلادهم !.في الجهة الشرقية من العالم وتحديدآ في بلد أسمه العراق ,واقدم حضارات العالم قاطبة , ترسم له بعض دول الجوار والدول الاستعمارية المحتلة سياسته الخارجية والداخلية , بل وصل بهم الأمر بكل وقاحة وصلافة وغير مكترثين لشعب العراق وبمختلف توجهاته الدينية والعرقية والقومية أن يتم وضع لهم خطوطهم الحمراء والصفراء والخضراء , ومما يدعو بشيء من السخرية اللاذعة من الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية التي وصل لها العراقيون , بل والادهى من تلك السخرية ان تقوم امريكا وعلى لسان مسؤوليها , بدءا من وزير الخارجية "جون كيري" مرورآ بالمبعوث الرئاسي الامريكي وكذلك بقائد القيادة الوسطى العسكرية الامريكية "جوزيف فوتيل" وليس أخرآ الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع "أشتون كارتر" اليوم الاثنين كل هؤلاء مجتمعين ومتفقين بأرسال رسالة شديدة اللهجة إلى المتظاهرين في ساحة التحرير وبقية محافظات العراق ومطالبهم المشروعة بالتغير الحقيقي وليس التغير الترقيعي الطائفي الحزبي , وأقل ما يقال عن تلك الرسالة بأنها وقاحة سياسية وتجاوز دبلوماسي ودون اي مراعاة لمبادئ الاخلاق والاعراف والقيم الدبلوماسية ــ هذا أذا كانت لديهم وبقي شيء منها في العراق ــ برسالتهم والتي مفادها وحسب ما فهمها العراقيون المنتفضون بكل وضوح وصراحة لا لبس سياسي فيها إلا وهي :"بان التجاوز على هيئة الرئاسات الثلاث وتنحيتهم بمثابة خطوط حمراء لا يمكنهم تجاوزها وانهم سوف يستخدمون القوة العسكرية اذا اقتضت الضرورة لحماية مصالحهم السياسية والاقتصادية وأمنهم" وأن صحت هذه الرسالة كما أوردتها وسائل الاعلام العربية والعالمية ومن ضمنها صحيفة "الشرق الأوسط" نقلآ عن مصادر حكومية مسؤولة لذا فأنها تعتبر من أشد الرسائل شديدة اللهجة التي وجهت إلى المتظاهرين والمنتفضين في جميع ساحات التحرير بالعراق , وعلى هؤلاء بدورهم أن يردوا على هذه الرسالة الامريكية الوقحة برسالة أكثر شدة وأكثر حزم وقول وفعل على رسائلهم وأن يتم تسليمها وبصفة شخصية من قادة المتظاهرين وممثليهم من المثقفين والادباء والسياسيين والفنانين إلى السفارة الامريكية بالمنطقة الخضراء .أن مثل تلك الرسائل التي يتم تسريبها عبر الصحافة والاعلام بين الحين والأخر بسبب ان سيادة الرئيس الامريكي يريد ان ينهي ولايته الثانية بدون اي مشاكل سياسية وتسجل له في سجله بالبيت الابيض بأنه سلم العراق وهو بعيدآ عن أي مشكلة وبحجة التفرغ لغرض محاربة تنظيم "داعش " الإرهابي ذلك التنظيم الذي أخرج للعراقيين من العدم بعد أن أنتفت حاجة ما يسمى بـ " تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وأصبح ورقة محروقة , ولينقل جميع المشاكل المستحدثة إلى الرئيس الأمريكي القادم , اما الشعب العراقي فعليه ان ينتظر الى السنة القادمة لغرض تحقيق مطالبه !؟ وهذه السياسة الامريكية الوقحة تتناغم بصورة او بأخرى كذلك مع الخطوط الحمراء التي رسمها قبل ايام السفير الايراني في بغداد لجميع الفرقاء وزعماء الكتل السياسية والحزبية المشاركة بالحكومة وهي تأتي في نفس الوقت مع التطلعات الامريكية في هذا الموضوع في الفترة القادمة , لذا على المتظاهرين اليوم واجب أخلاقي وسياسي حفاظآ على سمعة تظاهراتهم المشروعة في إقالة الرئاسات الثلاث مجتمعة , وليست متجزئة ومحاسبة الفاسدين والمجرمين من المسؤولين الحكوميين وبكافة توجهاتهم وانتمائهم السياسية والحزبية وخصوصآ منهم الذين يحتمون بعباءة المرجعية الشيعية في كل من النجف وقم بعيدآ عن أي رسائل تهديد ووعيد قد يصرح بها البعض زعماء كتل الأحزاب أو دول الجوار أو بعض الدول الغربية الاستعمارية!؟.ما يدعو للقرف السياسي اكثر عندما نشاهد بعض النواب يركبون موجة الاعتصامات داخل مجلس النواب لما يسمى بالتغير وحكومة التكنوقراط , وهؤلاء النواب معروفين جيدآ ومشخصين بالاسم والهوية والصبغة الطائفية لدى عامة الناس بفسادهم السياسي والحزبي , ومحاولة بائسة محمومة منهم لكي يغسلون وجوههم الكالحة بماء عطش المتظاهرين في ساحات التحرير , وخصوصآ النواب أصحاب النظريات العنترية والتوازن بالقتل الطائفي والتصريحات العلنية بالاختلاس أموال الشعب العراقي وأخذ الرشاوي ومنها على سبيل المثال وليس الحصر :" أذا قتل سبعة من الشيعة يجب أن يقتل في مقابلهم سبعة من السنة " ونظرية استنساخ مختار العصر " إذا مات المالكي سوف نستنسخ خلاياه لغرض أنهاء دروته البرلمانية" والأخر الذي صرح علنآ وعبر وسائل الاعلام المرئية :" بأنه أستلم رشوة مليون دولار لغرض غلق أحد ملفات الفساد ".الشيء الاخر والذي يجب ان نقف عنده كثيرا عندما يختزل زعيم التيار الصدري جميع المتظاهرين وشعاراتهم الحقيقية المطالبة بالتغير الحقيقي وليس بالتغير المزيف والترقيعي بان يخرج قبل ايام وبخطابه بانه :" انا الشعب والشعب انا وانا امثلهم وامثل مطالبهم " وهذا مما يجرنا الى ان زعيم التيار الصدري قد انهى اي مظاهر للمعتصمين ودعي الى انهائها والعودة لمنازلهم عندما سلم في حينها رئيس الوزراء ما تسمى بالكابينة الوزارية لحكومة التكنوقراط دون الوقوف على حقيقة ما جاء بأسماء , ومن هؤلاء الاشخاص الذين سوف يتولون الوزارات والتريث على الأقل لحين التصويت عليها في مجلس النواب, ومن هذا التصريح المتسرع غير المدروس نستنتج بانه لا داعي بعد اليوم أن يخرج أحد للتظاهر مطالب بأبسط حقوقه الحياتية المعاشية ناهيك عن مطالبه السياسية بوجود إصلاح حقيقي ... فيكفي خروج زعيم التيار الصدري وحده وينصب خيمته في المنطقة الخضراء وانتهت المشكلة التي يطالب بها جميع العراقيين توفيرا في الوقت نفسه لمصاريفهم المالية ولأصواتهم المبحوحة نتيجة هتافاتهم الهستيرية الصاخبة بالتغير المنشود ما دام من يوجد ويحقق مطالبهم من خلال خيمة واحدة تكفي لتحقيق مطالبهم !؟.المضحك والسخرية من موضوع اعتصامات النواب في العراق لمحاسبة الرئاسات الثلاث والوزراء والمسؤولين الفاسدين ليس أنها مهزلة سياسية بحد ذاتها، ولكن هناك في البرازيل تم اقالة رئيسة البلاد بسبب رئيسي هو الفساد في عقود ومناقصات الشركة النفطية الوطنية البرازيلية، وهي نفس التهم الموجهة وتكاد تكون أكثر واخطر واكبر للمسؤولين لوزارة النفط العراقية وكذلك للمسؤولين والوزراء بالحكومة الحالية ناهيك عن الحكومات السابقة منذ عام 2003 ولغاية الان!؟.على مجلس النواب الحالي وحتى القادم بان يذهبوا الى مجلس النواب البرازيلي وعلى حسابهم الخاص لغرض أخذ دروس تقوية وتعلم لأساسيات ومبادئ العمل البرلماني، وان يصدر لهم المسؤولين بالبرلمان البرازيلي شهادة تخرج وتقييم لأدائهم ومدى استيعابهم لدروس التقوية!.
مقالات اخرى للكاتب