انتشرت في الدول العربية مراكز البحوث التي تقترن بها صفة الاستراتيجية غالبا ، وينتج عنها توالد يومي سريع لأشخاص يحملون صفة محللين استراتيجيين ويشغلون الشاشات التلفزيونية.
وهذه المراكز أنواع ، منها ما تديره الحكومات ومنها ضمن القطاع الخاص. والفكرة مستنسخة عن مرحلة من التطور المعرفي الغربي تواكب الحالة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي وصلوا اليها ، مستخدمين حصيلة نوعية من باحثين وخبراء وأكاديميين، وغالباً ما تقترن عمليات استطلاع الرأي العام كمجس بحثي بأنشطة هذه المراكز. وهناك مراكز أبحاث مرتبطة بمراكز صنع القرار ولا تعنى بالشهرة الدارجة في العالم العربي المتهافت على الشكليات واستهلاك النقولات والمقولات المنفصلة عن الواقع . ولعل أبرز المهمات التي يضطلع بها مركز الابحاث هي عملية تقديم الفرشة المعلوماتية التحليلية والتوقعية لمسارات نمو اية ظاهرة معنية بالدراسة الى مركز صنع قرار سياسي أو سواه.
في بلدان العرب وخاصة الخليجية منها أول ما يهتمون به المبنى الفخم والمناصب الشرفية والموازنات الضخمة التي تصرف على حفلات استقبال وضيافة وايفادات ،من دون محاسبة لحصيلة النتاج والدور المؤدى كوظيفة تناسب مصطلح المركز الاستراتيجي . طالما رأيت كتباً ودراسات بالمئات تصدر عن تلك المراكز ، مليئة بحشو وترجمات لاتمت بصلة الى معلومة نوعية يمكن أن يستند اليها مركز القرار في تطوير المجتمع أو التأهب لمعالجة مشكلات كبرى قبل أن تقع ، فضلاً عن ان آليات اتخاذ القرار في البلدان العربية أحادية وفردية لا تنتمي الى النمط المؤسساتي. ولعل التطرف وما نتج عنه من تنظيمات اهمها القاعدة وداعش ، خير دليل على عمق نوم مراكز الابحاث الاستراتيجية العربية في دق جرس الانذار ليس من خلال كلام انشائي عام وانّما عبر معالجات متسلسلة غير سائبة النهايات.
يفترض بمراكز البحوث أن تكون نوعا متقدماً من الوعي والاستكشاف إزاء الظواهر وما يرتبط بها من أفراد وجماعات ، وليس أداة لتزييف الحقائق والعمل الواجهي المتستر بيد شيخ أو أمير أو ملك أو وزير أو رئيس وما يتصل بهؤلاء من أجهزة أمنية يهمها أمن الفرد الخاص لا المجتمع العام.
مقالات اخرى للكاتب