الموت يؤرقني التفكير في مجاهيله باستمرار وهو كالمتنبي مالىء العقل وشاغل البال ، طبعا ليس لكوني بلغت من العمر عتيا فاصبحت وانا اتوقع زيارة مَلَكِهِ المقرب الاولى والاخيرة في كل لحظة . لا ليس هذا السبب وايضا ليس هذا موضوع بحثي . ما اريد قوله ان الحياة هدية الهية حباها الله للانسان مرة واحدة كما تعطى هدايا عيد الميلاد ووضع لهذه الحياة وفق هندسة عظيمة آلية لتواصلها اكراما للانسان كخليفة في الارض . وهذه الهندسة الشائكة المعقدة المتقنة التي احسنت صنعا في احسن تقويم ، تبدا بالدماغ الجبار وتنتهي باظفار القدمين . وكل ما بينهما اعاجيب تزيد الانسان ذهولا وحيرة يوما بعد يوم . بدءا من حركة القلب التي لا تهدأ الى وظيفة الدم الى آلية دخول وخروج الطعام والاعقد من كل ذلك عملية التنفس . اسوق كل هذه التفاصيل المملة التي يعرفها حتى الصبيان وفي سريرتي ينطوي خبث حميد من نوع خاص . هذا الخبث ساضعه على صيغة سؤال : هل من المعقول ان يهدم الله بنيانا مشمخرا لسبب مزاجي متى شاء ، تعالى شأنه عن هذا العبث الذي لا يليق حتى بالكثير من المخلوقات فكيف بالخالق . بدءا اقول ان الكون برمته مطوي بيمين رب العزة ان شاء ان يهلك اهل السموات والارض بمشيئته لفعل بلا لأي او تدبير وحتى لا يحتاج الى المسافة الفاصلة بين الكاف والنون كونه خارج الزمكان . فما خطرُ سلب حياة امرىء من عبيده صالحا كان ام طالحا . ما اريد ايصاله من فكرة ان الله الذي منحنا هدية الحياة لا يريد التحكم بموعد موتنا رغم تمكنه المطلق من ذلك ، وترك لنا خيار البقاء والفناء بالضبط مثل المحيط الذي نعيش فيه . حيث نستطيع ان نحوله الى سبخة جرداء او نعمره فنجعل منه محمية طبيعية يتعايش فيها الانسان واخوه الحيوان معا . اتمنى على متصلبي العقول تفهم المراد من هذه السطور فهي اقرب الى العقل من أن ننسب العبث الى رب العزة وهو الذي خلق كل شيء بقدر . اتساءل ما الذي يجعل معدلات الاعمار في البلدان المتقدمة افضل بكثير مما عندنا وهم يسرفون اذ يشربون ، ويخنزرون اذ ياكلون ، ويطيلون اذ يسهرون وكل هذا عندنا من دواعي الاضرار بالصحة و تقصير الاعمار والهلاك المبين . رئيس وزراء اسرائيل الاسبق مسجى على فراش الغيبوبة المطلقة منذ اكثر من خمس سنوات ولو انه كان في بلدان اخرى لكانت عظامه رميما اليوم . والرئيس العراقي امضى خمسة اشهر في المانيا معالجا لو انه بقي في العراق لأمضى هذه الاشهر الخمسة في نقاهة دائمة تحت تراب السليمانية . قرأت ذات مرة لاحد الفضلاء ما معناه ان الانسان - اي انسان - لو استطاع ان يُدخل في جوفه المفيد من طعام وماء وهواء ، وعزز ذلك بوضع نفسي مستقر لا ياسى على ما فات ولا يفرح بما اوتي ، فان حقا على الله ان يخلده لانه وفر كل اساليب البقاء على قيد الحياة ولم يتعرض لسيارة مفخخة في بغداد . هذا يحيلني الى موت اكثر الانبياء والصالحين قتلا او بالسم . في ايامي الاولى بمدينة اليزابث بولاية نيوجرزي قبل ١١ عاما زارتني جارتي والتي قدرت عمرها بـ ٧٥ عاما و اعربت لي عن سرورها بمشاهدة الطفلين محمد وزهراء اذ راحت تداعبهما . وعند المغادرة بادرت كرد للجميل الى عرض مساعدتي عليها في التسوق ان شاءت باعتبارها بلغت من العمر عتيا . فردت علي قائلة انها OK وانها متفرغة لمساعدة شقيقتها ذات ٨٥ عاما . وعندما غادرت بيتي معها شاهدت امراة انيقة الملبس طاعنة السن تتابع وبتثاقل زراعة بعض الزهور في حديقة البيت الامامية . فعرفتني عليها و "انا لا اعرف راسي من ريولي" حينذاك ... اتمنى ان تكون وصلت الفكرة .
مقالات اخرى للكاتب