يبدو أن البادرة التي صدرت عن البيت الابيض الامريکي بشأن دعوة العراقيين الى جمع مائة الف توقيع لمحاکمة نوري المالکي، رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته کمجرم حرب بتهمة إرتکاب جرائم ضد الانسانية، قضية تحمل في طياتها الکثير من العبر و المعاني، حيث أن توقيت البادرة و تزامنها مع مرحلة خاصة و بالغة الحساسية بالنسبة للعراق و المنطقة و الولايات المتحدة ذاتها، تدعو لحملها على أکثر من محمل و تحليلها من و تفسيرها من عدة جوانب.
المالکي الذي راهن بقوة على العامل الخارجي في تثبيت حکمه و ترشيق سياساته، وإعتقد بعد سقوط نظام حکم صدام حسين، بأن السياسة العراقية يجب أن تدور في الفلك الخارجي کخط عام و تلتفت حينا بعد حين، وقد إعتقد بعد أن رأى النظام الايراني يقضم الجزء الاکبر من الکعکة العراقية بعد صدام حسين، بأن قواعد اللعبة تتطلب أن يرمي بأغلب کراته في الملعب الايراني، معتقدا بأن ذلك الضمانة الاساسية له کي يستمر کلاعب عراقي أکبر و أمهر من الآخرين في الساحة السياسية، والحقيقة التي غفل عنها المالکي کثيرا، أن الامريکان کانوا يتابعونه بکل دقة وقد أرخوا الحبل ليس له وانما للنظام الايراني ليروا الى أي حد سيذهبون و ماذا يفعلون.
الاجواء المتوترة و المشرئبة بالاحقاد الطائفية و العرقية و المليئة بالحساسيات المختلفة، وقادت الى مواجهات عنيفة و الى إدخال العراق في حمامات دماء، ومواجهات لايمکن أن تنتهي على خير للجميع لکونها تدخل في مسار قضية تأريخية لها مسار حساس و خطير، تعتبر سياسات المالکي المسٶولة الاولى و المباشرة عنها، رغم انه من الواضح جدا تلقيه لأسس و مبادئ هذه السياسة من طهران نفسها، خصوصا وان العلاقة التي تربطه بها أکثر من قوية.
حملات القتل و التشريد و التجويع و الارعاب و التخويف والتي جرت معظمها وفق سياق طائفي، والحرب المجنونة التي شنها على الانبار بشکل و التي يبدو واضحا بأن المالکي لم يأخذ الدرس الکافي من مجزرة الحويجة التي مرت وقتها لحسابات سياسية و استراتيجية محددة تتعلق بطبيعة الاوضاع في العراق و المنطقة و العالم ولم تکن تتحمل المزيد من التشنج، لکن الذي فات المالکي، أن هذه القضية قد أخذها الامريکيون بشکل خاص و المجتمع الدولي بشکل عام بنظر الاعتبار، کما أن ساسة عراقيون قد أدرجوها في دفاتر ملاحظاتهم للوقت المناسب و الملائم، ولذلك فإن حرب الانبار هي التي ستقود الى فتح ملف مجزرة الحويجة مضافة إليها الانبار و ملحقاتها.
الدعوة لمحاکمة المالکي على خلفية إرتکابه لجرائم ضد الانسانية، سوف تقود و تدفع بالضرورة المعارضين الايرانيين في العراق من سکان أشرف و ليبرتي، للمطالبة بحقوقهم و ماقد تم إرتکابه بحقهم من جرائم و مجازر خلال فترة حکم المالکي حيث تعرضوا الى 9 هجمات دموية کان من بينها ثلاثة تحمل مواصفات جريمة ضد الانسانية، وقد سبق للمعارضين أن قاموا برفع أکثر من دعوى لدى محاکم أوربية لکن حصانة المالکي و إعتبارات أخرى حالت دون ذلك، غير أن هذه الدعوة الموجهة من الکونغرس الامريکي للشعب العراقي سوف ترفع الکثير من معنويات و عزم المعارضين الايرانيين و تدعوهم لإثارة موضوع المجازر التي إرتکبها المالکي بحقهم، فالجريمة ضد الانسانية هي نفسها ان کانت ضد عراقيين أم إيرانيين، فجميعهم في النهاية بشر.
الاموال الطائلة التي صرفها الامريکان، لم تکن من أجل زرع نفوذ واسع للنظام الايراني في العراق الى جانب فرض دکتاتور مستبد برأيه يزعم بأنه يستمد حکمه من الدستور و القانون، في حين کان أول من خرقها و کان يصر على المزيد من خرقها بحيث يجعل الامور کلها وفق مشيئته و اهوائه، ولذلك فإن الامريکيين رأوا من المناسب جدا ليس أن يقرصوا المالکي من أذنه، وانما أيضا يرسلون رسالة لکل من سيحکم العراق من بعده بأن يعلم جيدا بأن عهد الحاکم الاوحد قد مضى وان حسم الامور بالقوة مع الاطراف السياسية و الشرائح و الاطياف المختلفة من الشعب، قد صار أمرا غير مقبولا و يقود للمحاسبة و المساءلة.
مقالات اخرى للكاتب