أصبح التلفاز جزءا مهما، ورافدا من الروافد الأساسية، التي تعطي للإنسان رصيدا ثقافيا، عند متابعته لما يروي شغفه سواء أ كان تقاريرا علمية أم معلومات تاريخية أم برامج وثائقية أم متابعة الاخبار والاحداث المحلية والعالمية.
يوفر التلفاز أيضا؛ ومضات ترفيهية تزيل الرتابة، وتكسر روتين الحياة، فيجد المتلقي ما يتطلع إليه من ترفيه في ما يطرح من مسلسلات وأفلام ومسرحيات.
تمثل الدراما باقسامها الثلاث (التراجيديا والكوميديا والتراجاكوميدي) المساحة الأوسع في ما يطرح من على شاشة التلفاز، وتمثل احداث المجتمع ومعاناة الناس، المادة الاساس التي تبنى عليها تلك الدراما، فتكون انعكاسا وصدى لما يحدث في المجتمع.
الدراما التي انتشرت حاليا اتجهت للكوميديا فقط، ونادرا ما تجد تراجيديا هادفة، تعالج حالة انسانية او تحث على صفه نبيلة في المجتمع.
إختصت الدراما العراقية تقريبا بالشق الكوميدي، وكانت أغلب الأعمال تجارية، لا تعالج هدفا معينا، وأغلب ما يطرح في الكوميديا العراقية، هو عبارة عن احداث وإسقاطات غير مترابطة، فتاتي احداث المسلسلات على شكل تمثيليات، كل حلقة لها عنوانها، وفكرتها، وشخوصها، وإحداثها.
إستغل صدام وبعثه الفاشي, التلفزيون إستغلالا بشعا، واستثمر الكوميدا من اجل ابراز وجه كالح، ويشوه صورة مجتمع بأكلمه، إذ ركزت كوميديا صدام، على إبراز أبناء الجنوب، على إنهم أغبياء وسذج، وغير متعلمين "وجوعيه" ومجانين.
ومن المؤسف! إن بعد الإطاحة بنظام صدام، بقي المنتجون والمؤلفون مستمرين بنفس النهج، ومع العلم إن أغلب المنتجين، هم ممن تربوا في أحضان البعث، لذا بقيت النمطية المنتقصة لإبن الجنوب، والمصورة اياه بانه تافهٌ مستمرة.
تبلغ ذروه الأعمال التلفزيونية عادة في شهر رمضان، وكالعادة لم تأتي الاعمال التلفزيونية لهذا العام بجديد، نفس الافكار، ونفس الشخوص، مع ادخال بعض التعديلات "والتحوير" عليها.
الجديد الذي لاحظناه في هذا العام، هو إن أمر استخفاف الاعمال التلفزيونية، لم يبقى عند إبن الجنوب، فتعدى إلى البغداديين فكانت مسلسل چراويه، التي عرضتها قناه هنا بغداد مثال لذلك.
أنا كمتابع ومن خلال ما شاهدته من مسلسل جراويه، لم استنتح من هذا العمل الا تفاهة البغدادي، وشقاوته وغباءه، فكان دمدم وابن عبدكه وذنون الحلاق وكرجيه وزوجها عزيز وصينيه ام الگيمر ومفيد العريف وغيرهم، ماهم إلا نماذج لا تعبر بحال من الاحوال عن البغداديين الاصلاء.
في مسلسل چراويه غاب شارع المتنبي، وجامع الحيدر خانه، وساحه الميدان، وغابت الکاظمية واصالتها، والاعظمية وعراقتها، وغاب شعر الرصافي، والزهاوي، ومحسن الكاظمي؛ في مسلسل چراويه لم ارَ تاريخ بغداد وثقافتها، ومن خلال هذه المسلسل لم ارَ اثرا للمقولة الشهيرة " مصر تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ" لم أر َأي اثرا لجمال ماضي بغداد، ورغم ان إغنية مقدمه المسلسل، والتي أُديت بالچالغي البغدادي، والتي تقول "بغداد حاضرها قهر خل نرجع لماضيها" الا انني وجدت قهرا في ماضي بغداد، اسوء مما نعيشه اليوم، وجدت بغداد الماضي خاوية لا يحق لنا الفخر بها.
كوميديا بائسة، من إناس غير محترفين، قضت على ماضينا الجميل، لإجل حسابات تجارية، يبدوا ان منتجيها احسوا بفشل عملهم، فجاءت الحلقات الاخيرة منوعة، تحكي عن بغداد الثمانينات والتسعيات و2004 و2016 الا انها ايضا لم تعطِ صورة مشرقة لبغدادي التي أحببتها.
مقالات اخرى للكاتب