بالأمس إتخذ الكونغرس الأمريكي قرارا خطيرا يقضي بتقديم دعم مالي لمستدمرة إسرائيل قيمته 38.000.000.000 دولار أمريكي على مدى عشر سنوات ، وقد برر الرئيس الأمريكي المودع باراك أوباما - وهو أكثر الرؤساء الأمريكيين الذين تعرضوا للإهانة الإسرائيلية وفي عقر داره ، على يد المتغطرس مالك إرادة الكونغرس الأمريكي المبني على النفاق والعمل لمصلحة إسرائيل ، رئيس وزراء مستدمرة إسرائيل نتنياهو - أن هذا الدعم إنما هو لحماية أمن إسرائيل ، وهذا هو الكذب بعينه.
كان أجدر بالرئيس أوباما أن يكون أكثر شفافية وصدقا ، ويعترف أن هذا المبلغ عبارة عن رشوة أمريكية "ديمقراطية" لإسرائيل ، لضمان وصول " الديمقراطية" هيلاري كلينتون إلى سدة الحكم في البيت الأبيض في الإنتخابات الأمريكية المقبلة ، وعدم منح أي فرصة للجمهوري الإشكالي دونالد ترامب ، الذي إكتسح الساحة الأمريكية بتصريحاته العنصرية ضد المسلمين على وجه الخصوص ، ولم يخف موقفه من اليهود ، ولكنه لم يجرؤ على إهانتهخم كما أهان المسلمين ، مع أن "لحم أكتافه" من خير المسلمين والعرب شركائه في التجارة والإستثمار.
هذا هو الوجه الأول للمساعدات الأمريكية لمستدمرة إسرائيل ، أما الوجه الآخر فهو أن "أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا " كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش ، وهي الشريك الإستراتيجي لمستدمرة إسرائيل في كافة جرائمها ضد الشعب الفلسطيني بخاصة والشعوب العربية بشكل عام ، بعد بريطانيا والنظام الرسمي العربي بطبيعة الحال.
هناك زاوية أخرى يجب النظر إليها في هذه المساعدات السخية ، التي جاءت في وقت تتسع فيه مساحة الفقر في أمريكا ، وتتزايد فيه أعداد الأمريكيين المشردين الذين لا بيوت لهم وينامون على قارعة الطريق صيفا وشتاء ، ولا يجدون من يمد لهم يد المساعدة ولا يعطف عليهم شأنهم بذلك شأن المستدمرين في مستدمرة إسرائيل ، الذين إستنزفوا الخزينة الأمريكية وإستحوذوا على المقدرات الأمريكية ، وخاصة في المرحلة ما بعد حرب عام 1967 الممسرحة، ومع كل هذا الكرم الأمريكي ، فإن صناع القرار في مستدمرة إسرائيل غاضبون على الإدارة الأمريكية ، لأنها لم تلبي مطالبهم وتمنحهم ما طلبوه وقيمته 4.1 مليار دولار ، مع أن الفارق بين الرقمين عبارة عن "فراطة" ولكنه ديدن يهود بحر الخزر المتصهينين القائم على الشفط حتى آخر نفس لا يتبدل ولا يتحول بسبب الطمع والجشع الكامن في نفوسهم.
كل ماتقدم يؤكد للقاصي والداني أن هذا الكونغرس ، الذي ينتخب أعضاؤه الشعب الأمريكي وينعمون بالخير الأمريكي ويتدثرون بالغطاء الأمريكي ، ومع ذلك فإنهم لا يعملون من أجل أمريكا ، بل يكرسون أنفسهم ويسخرون طاقاتهم ومواهبهم لدعم مستدمرة إسرائيل ، والضغط على العرب والمسلمين من أجل التنازل لها ومنحها ما لا تستحق ، وهم كذلك لا يقيمون وزنا لعلاقة بلادهم مع العرب والمسلمين ، لأن جل مايهمهم هو مصلحة مستدمرة إسرائيل ، كون اللوبي اليهودي في واشنطن الشهير " الإيباك " هو الذي يؤمن وصولهم إلى الكونغرس.
قبل أيام إرتكب نفس الكونغرس الأمريكي حماقة أخرى ، وهي إقرار قانون يسمح للمواطنين الأمريكيين " المتضررين " من جريمة إنهيار البرجين في 11سبتمبر 2001 ، برفع دعاوى قضائية ضد بعض الدول وفي مقدمتها العربية السعودية ، بتهمة الضلوع في تلك الجريمة ، مع أن الصورة إكتملت عند الرأي العام الأمريكي والعالمي على حد سواء ، بأن يهود أمريكا واليمين الأمريكي هم المسؤولون عن تلك الجريمة وتوابعها ، وأن إنهيار البرجين لم يكن بفعل الحريق بل بسبب متفجرات وضعت لإنجاز الهدم ، لأن عمرهما الإفتراضي قد إنتهى.
وحتى لا تبقى الأمور في غير مسارها ، فإن هذا القرار جاء رسالة واضحة الحروف للعربية السعودية تبلغها أن التحالف الأمريكي – السني ، قد إنتهى إلى غير رجعة ، وهنا تتحول السعودية إلى هدف للتصفية ، وقد سبق ذلك تقارير إستخبارية أمريكية سربتها الأجهزة الإستخبارية الأمريكية ، تفيد بنهاية عهد الإستقرار في السعودية ، وكما هو معروف فإن التحالف الأمريكي - الشيعي ، قد حل مكان التحالف الأمريكي - السني ، وهذا يعني أن إيران باتت وإلى حين تتربع في الحضن الأمريكي .
مقالات اخرى للكاتب