لم يجد الرجل العجوز الذي وقف حائراً مشدوهاً امام باب احد مكانب توزيع رواتب المتقاعدين في بغداد ظهيرة يوم الاربعاء الماضي غير هذه الجملة الشعبية البسيطة ليعبر من خلالها عن غضبه وحنقه وهو يتلقى جواب صاحب المكتب بعدم وصول قوائم صرف رواتب المتقاعديين المدنيين .. مضيفاً ان رئيس هيئة التقاعد الوطنية  كان قد اكد لجريدة الزمان بان موعد الصرف سيكون الاربعاء مبرراً تأخير الصرف بحجج وتبريرات غير مقنعة .. لااملك الرقم الاجمالي لعدد المستفيدين من المدنيين ممن ينتظرون على احر من الجمر استلام المبالغ الزهيدة لكنه رقم كبير جداً بالتأكيد .. ولنا ان نتصور حجم المعاناة  لهذه الشريحة وغيرهم  من موظفي الوزارات الذين لم يستلموا رواتبهم في موعدها المحدد واذا اضفنا اليهم عدد الكسبة الصغار وغيرهم من الشرائح المتوسطة والفقيرة لادركنا ومن دون عناء ان المواطنين هم من يتحملون اكثر من غيرهم  تبعات الازمة المالية  التي احد ابرز اسبابها  هو النهب المنظم و سرقة المال العام والتلاعب بثروات الوطن المالية والطبيعية طيلة السنوات الماضية وبشهادة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي الذي قال صراحة  انهم استلموا مسؤولية الحكومة وخزينتها ليس فيها غير ثلاثة مليارات دولار مقابل دين كبير لصالح الشركات يبلغ خمسة عشر مليار دولار !!

ظاهرة الفساد المستشري وهدر المال العام ليست بالجديدة  غير انها بقيت من دون معالجات ..الكل يدينهامواطنون  ووزراء ونواب وسياسيون ورؤساء كتل لكن لااحد من المسؤولين توقف عن ممارستها ولم نسمع ان وزيراً او برلمانياً  او محافظ او رئيس مجلس محافظة او غيرهم من اولي الامر الحاليين او السابقين  قال ان راتبه الذي يستلمه يتجاوز الحد المعقول وغير عادل وهو احد اوجه النهب وانه سرقة مشرعنة بالقانون  ناهيك عن مبالغ المخصصات الخيالية ومنها رواتب الحمايات التي تكلف (600 ) مليار دينار والكثير منهم فضائيون لاوجود لهم .. كل شيء بقي على حاله بل ازاداد سوءً بانحقاض اسعار النفظ وما افرزه من ازمة ماليه اكتوى المواطن بنارها دون سواه وهو يصارع من اجل البقاء وتوفير الحد الادنى من متطلبات العيش في حين نسمع عن بذخ لانهاية له من بعض المسؤولين الكبار وعوائلهم وارصدة بالعملة الصعبة في المصارف الاجنبية وشركات وعمارات في ارقى دول العالم ومع ذلك يطلع علينا من يقول لماذا تتظاهرون !!

” خل ياكلون الحرامية ” كلمة حق ليس فيها باطل ، فهذا هو واقع حالنا بعد كل سنوات الفشل والنهب والاستئثار التي اجتهد السياسيون بتغطيتها بما اسموه المحاصصة وبعد كل ما نراه من تجاهل لتطلعات الشعب ومطالبه المشروعة بالتغيير الحقيقي الذي لامناص منه اذا ما اريد للعراق ان يستعيد بعض عافيته . غير ان تحقيق هذا يتطلب موقفاً جريئاً وصريحاً لمواجهة حيتان الفساد السياسي واتباعهم وعدم الاكتفاء باصدار قرارات لاتجد مكانها في التنفيذ سواء ما يتعلق منها بالغاء المناصب او بتخفيض الرواتب .. كما ان عملية تشكيل اللجان هي الاخرى نوع اخر من التسويف ومحاولة تخدير الشعب والمراهنة على ايصاله الى حالة اليأس من التظاهرات السلمية ..لانظن ان المطالبة بكشف حساب للاموال التي يعترف الجميع انها اهدرت وسرقت والسعي الجدي لاستردادها مطلب خارج  سياقات الدستور المختلف عليه  او القوانين وبدونها يبقى الحرامية ياكلون ولا نحصد  غير المزيد من الخيبات والحرمان وفقدان الامن والهروب بحثاً عن اوطان لنا .. لن نكون مثاليين وندعي ان مثل هذه المهة سهلة لكنها ضرورية والا فان اي حديث عن اصلاحات من دون مساءلة من عليه شبهة فساد تكون محض كلمات ووعود لاتسمن ولا تغني من جوع