«في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال».
وفي اليوم الخامس، من الشهر الخامس(جمادى الأولى)، للسنة الخامسة للهجرة، يولد ثالث مولود لأصحاب "الكساء الخمسة"، ويكون أنثى بعد ذكرين، ويسميها جدها لأمهما "زينب" والذي يعبر عن أسم لزهرة يفوح منها المسك في الجنة، ذكاء أكبر من حجم الجرم الصغير الذي يتوسط رأس "زينب" ونضج بسرعة ما يُلقن من تلك العائلة الإلهية، التي طالما تباهى الله بها أمام الملائكة، وتحدث للبشر عنها في القرآن الكريم، حتماً سيخرجها بأبهى وأدق خُلقٍ وصورة.
من جنب الكساء الذي غطى أشرف الخليقة، خرجت أصابع "زينب" الناعمة مرتعشة، وملأ صراخها أركان البيت العلوي، فأستبشرت الملائكة سروراً، وأهل البيت فرحاً، وجاء كبير أل البيت وزعيمهم، "رسول الله" مهرولاً على صراخ المولودة الجديدة، وبعدما لُفت بخرقةٍ، تناولها بيده، ومع تلك اللحظة حدثه الوحي عن ما يحدث على تلك البنت الصغيرة، فتناثرت دموع الرسول، ودب الحزن بوجهه، وصار قلبه يعتصر الم وحرقة؟ والطفلة ضاحكة مستبشرة، لا تدرك ما ينتظرها من مصير.
من الملفت للنظر أن هنالك، من حاول أن يستخدم ولادة "زينب" عنوان لنفي إستشهاد والدتها، بعد سقوط جنينها الخامس (المحسن)، كتبت "بنت الشاطئ" في كتابها بطلة كربلاء ما نصه"«الزهراء بنت النبي، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً، بعد أن أقرت عيني الرسول بسبطيه الحسن والحسين، وثالث لم يقدر الله له أن يعيش، هو المحسن» أرادت أن تنفي بأن "فاطمة" أستشهدت بعد إسقاط جنينها، وإنها عاشت حتى ولدت زينب وأم كلثوم بعد المُحسن.
لزينب مع جدها حياة خاصة، وتعامل فريد من نوعه، بعد أن أخبر البيت العلوي، عن الدور الذي ستتأهل له هذه المولودة، و تأخذ دور العمادة للبيت الهاشمي في كربلاء، حرص الرسول كل الحرص، على تربيتها وإعدادها لهذه المهمة، التي قد لا يتحملها ألاف الرجال، عاشت مع النبي ست سنوات، كلما تقع أمام أنظاره يستدعيها لحجره، ويتمتم برأسها كلمات وهو باكٍ، تقول والدتها:"ما كنا لنعرف ما يدور بينهما"، وتقول زينب:"كان جدي يكلمني بكلام لم أفهمه إلا في أرض كربلاء".
يقول الإمام علي:(كان النبي دائماً ما يحدثني وهو في داري، عن "زينب" وكيفية التعامل معها، ولقد كنت أستغرب لكثرة ما يتكلمان به هي وجدها، وما يقضيانه من وقت وهما يتحدثان)، كان دائما ما يسميها شريكة الحسين، و"بنت أمي" على أصل حديث له يقول لوالدتها الزهراء بأنها أم أبيها، رسول الله طوال تلك الفترة كان يرى بزينب،الشريك الذي لا يقل أهمية وعظمة عن ثوابت ثورة عاشوراء، وإصلاح جسد الأمة الإسلامية، مع أخيها الحسين.
صير النبي منها، عالمة, فقيهة, متبصرة, قادرة على قيادة الأمة، في الوقت الذي تكون هي صاحبة الرأي المطلق، مع وجود المعصوم! الذي أُعد له دور لا يقل شأن عن دورها مع الحسين، ولكن إرادة الله جعل الأدوار تلك، ترتبط بالصعيد التقليدي الذي تتعامل به البشرية، ولو أوكل دورها للإمام "السجاد إبن الحسين" لكان مصيره مصير والده، وهذا ما يكشف لنا، أعداد وتأهيل "زينب" لحمل رسالة وتقبل مهمة لا تقل شأنا عن مهمة الانبياء والمعصومين في أقوامهم، وكما يقال العقل نبي الله في باطن الجسد، فأن زينب عقل سليم أصلح جسد الأمة.
مقالات اخرى للكاتب