الدولة العراقية المدهشة، ومفارقاتها المرعبة، في صناعة أصحاب القرار، والرأي، والمشورة، تتسلسل تسلسلاً بعيداً، عن المنطق والعقل، إذ يدرس الطالب من الدرجة الأولى، الفائق الذكاء، فيدخل كلية الطب والهندسة، وهذا طبيعي، وأما الطالب الدرجة الثانية، وهو أقل ذكاء من الأول، يذهب الى كلية الآداب والقانون، ويبدأ بإدارة شؤون الدرجة الأولى، وهذا طبيعي ايضاً.
أما الشيء الذي لا يعتبر طبيعياً، هم طلاب الدرجة الثالثة، حيث أنهم يصبحون ساسة البلاد، ويتحكمون بالدرجتين الأولى والثانية!
الطامة الكبرى هم الفاشلون، الذين يتوسلون النجاح في مراحل الدراسة، حتى أنهم يتطوعون في الجيش، ويتسنمون مناصب عليا، ويتحكمون بالساسة، كبيادق الشطرنج، أو يقتلونهم إن أرادوا.
ما فاق كل هذا وذاك، هم الذين لم يدخلوا عالم الدراسة، أو التعليم، وهم أميون لا يجيدون كتابة أسمائهم، ويستخدمون البصمة بدل التوقيع، إذ يصبحون شيوخاً، ولهم مكانتهم، ويأتمر جميع الرعية بأمرهم!
هكذا هو الرسم البياني في بلدي، وتركيبته المتشابكة الوعرة المخيفة، خاصة بعد أن تسيد، الأدنى الأعلى! بسبب هذه الدورة الحياتية؛ في صناعة الاجيال، وستستمر الى ما لا نهاية.
إن إعداد جيل مثقف ديمقراطي ملتزم، بات ضرورة من الضرورات المهمة، للنهوض بالبلد، وبناء دولة متحضرة عادلة، وإفراغ العقل العراقي الشاب، من النظرية القائلة: بأن الذنوب الموروثة، هي أفضل ما تبقى لهم، ولن يستطيع أحد المحاربة والكفاح، من أجل البروز الى ساحة التصدي، على أنه من المفترض تعميق الفكر، الذي ينادي أن لا قيمة للإنسان دون التحرر، المشروط بالتعاليم الإسلامية، ليكون له موقف وطني أصيل.
نحن بحاجة الى مؤرخين جدد أحرار، ليصفوا فرقاً كبيراً، بين مقبرة العظماء، ومقبرة الجبناء، لا سيما عندما تشاهد المقابر الجماعية، فالصمت يجعلك تكتب أفضل مما لو تتكلم، لأن العظام والجماجم تئن ألماً وخلوداً، وأمهات تتزين بأحزانها، في حين أن قبور الجبناء الطغاة، أمست مزبلة للرذيلة والفساد، رغم تبجح أحفادهم، بأنهم قادة للضرورة.
ختاماً: إن ما يميز العراقي عن غيره، أنه يمتلك الشجاعة والإرادة، ورثها من سمرة طينه الحر، ومن علم نجفه الأشرف، ومن إباء كربلائه المقدسة، وضيافة أنباره، وفيحاء بصرته، وحدباء موصله، فهو شجاع مقدام، يضيف لبلده حقيقة أخرى، أصبحت إضافة شامخة، لحقائقه الماضية الناصعة، التي يشهد لها التاريخ.
مقالات اخرى للكاتب