ثمة نكتة، يتشرف بها كل عراقي، وخاصة "دليم" تنص على حريق في بيت دليمي، عندما وصلت سيارة الإطفاء إستقبلهم بالقول "أقسم بالحرام ما تطفون إلا تتغدون" ترادفها حكاية شعبية، عن "الكوردي" الذي ذبح النعجة التي يقتات عياله من حليبها.. لبنا وزبدا.. فوق متاهات قمم الجبال المنقطعة، تعانق الغيوم؛ إكراما لعابري سبيل ضيّفهم، مما يدل على أن الكرم لدى العراقيين يبلغ حد النكتة المجنونة.. عربا وكوردا،...
وما قول الشاعر الراحل بدر شاكر السياب "ما مر عام والعراق ليس فيه جوع" ولا الازمات التي تفتعلها الحكومات المتعاقبة على العراق، منذ الدولة الأموية الى الآن، والغزوات التي تعرض لها من الحضارات المحيطة به والاحتلالات والحروب والمجاعات والفيضانات، كلها بمجموعها، لم تثلم روح الكرم المجبول عليها العراقيون، ولنا في حصار التسعينيات مثال حي، ما دخل ضيفٌ بيتا، وقت الغداء او العشاء، ولم يقدم له طعام، حتى لو لم تأكل العائلة كلها بعدئذ.. وهذا إنموذج لجنون الكرم العراقي، المتعارف عليه شعبيا، والذي أكده إستطلاع مؤسسة كلوبال الأمريكية، فبرغم الفساد الذي أرمض العظم مبددا ثروات العراقيين، في جيوب ثلة متسلطة، والإنفجارات التي أودت بحياة الآلاف وقطعت أرزاق مئات الإلوف، والعنف المستشري، في البلاد، يكاد يشظيها، وهبوط أسعار النفط، بالتزامن مع الحرب على "داعش" لتحرير الاراضي العراقية الطاهرة التي إحتلتها، إلا أنه ما زال الشعب الأكثر سخاء في العالم مع الغرباء والمحتاجين، وفقا لمؤشر عالمي جديد للعمل الخيري، إستحدثته المؤسسة، من خلال إستطلاع أجرته، أسفر عن أن 81% من العراقيين، ساعدوا أشخاصا لا يعرفونهم، تضافرا مع إستطلاع عالمي آخر أشرفت عليه مؤسسة "CAF" الخيرية، تبينت منه صدقية نتائج "كلوبال" وسواها.
ما زال العراق يتقدم في كل إستطلاع وإستفتاء يجرى بشأن الكرم، وآخرها 2016، الذي أجمعت فيه مؤسسات خيرية عدة، على أن العراقيين أكرم شعب.. كميا ونوعيا، كما يقول عبد الله الفاضل: "هلي بالجوخ وقادة غداهم" و"هلي ما لبسوا خادم سملهم".
وعلى الرغم من المعاناة وعدم الاستقرار والعنف، حافظ العراق على المرتبة الأولى من حيث مساعدة الغرباء؛ ما يعني أنها جبلة فطر عليها شعب الرافدين، تسري مع دمه نابضة في وجدانه.
وهذا ما نشرته وكالة الانباء و الاخبار العالمية (Reuters) يوم 24 تشرين الاول 2016، تحت عنوان: "العراقيون اكرم الناس للغرباء" ناشرة مع نتائج الاستفتاء، صورا لسوق شعبي عراقي، واللافتات التي علقها أكثر من بائع، كاتبا عليها "من لا يمتلك نقودا، فليأخذ ما يحتاجه ويذهب".
وهذا ما أعادت التذكير به "مؤسسة تومسون" اللندنية، قائلة: "على الرغم من أن العراق تمزقه الحروب والإحتقانات الطائفية، إلا أن شعبه الأكثر سخاء في العالم تجاه الغرباء المحتاجين" مؤكدة: "مع كل الويلات والانقلابات والحصار والتعسف منذ مائة عام ومع كل الشر الذي يأتيه من دول الجوار ومن غير الجوار.. عربا و كوردا، يبقى الشعب العراقي عزيزاً كريما حتى مع الغرباء؛ لان الاصالة نمت في جيناته منذ اقدم الازمان.. ولم تنقطع عندما عانى ظلام العثمانيين، خمسة قرون، بل بقي العراقيون من اكرم الشعوب".
وتضيف التقارير الدولية: "على الرغم من كل المعاناة و عدم الاستقرار والعنف، بقي الشعب العراقي في المرتبة الاولى من حيث مساعدة الغرباء".
إذن يحق لكل العراقيين.. عربا وكوردا أن يفخروا بنكتة "الإطفاء" وحكاية "النعجة".. يتشرفون كلهم، بجنون السخاء الذي فطرهم الرب عليه، حتى عد "الكرم شجاعة" في العراق
مقالات اخرى للكاتب