لم تشهد مرحلة سياسية تعاونا كبيرا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مثلما تشهده خلال عهد الدكتور حيدر العبادي ، والتعاون ليس في مصلحة الشعب الذي انتخب هؤلاء الذين باتوا لايمثلون سوى أحزابهم التي انشغلت بجمع الثروات سواء من المشاريع الوهمية أو من الثروة النفطية ، وما ملفات الفساد التي تتراكم على رفوف ومكاتب المسؤولين في هيئة النزاهة إلا خير دليل على مايذكره هذا النائب أو ذاك من أعضاء لجنة النزاهة البرلمانية الذين يتعرضون كسواهم إلى الضغط أو التهديد أو الترغيب مقابل التغاضي عن هذه السرقة أو تلك ، ومن يقف في طريق الفاسدين من حيتان الفساد الذي وقفت هيئة النزاهة عاجزة أمامهم باعتراف رئيسها في وقت سابق ، فهؤلاء يمتلكون السلطة والمال والجاه والنفوذ ، وهم محميون من قبل عناصر حماياتهم الذين صاروا ميليشيا توفر الأمان لهم من الشرفاء الذين يطالبون بمكافحة الفساد وإيداع الفاسدين السجون التي لايدخلها سوى الموظفين البسطاء الذين صاروا هدفا لهم ، بدليل اكتمال نصاب السلطة التشريعية لمحاسبة الموظف بتطبيق مبدأ ( من أين لك هذا ؟ ) عليه بدلا من تطبيقه على زمر الفساد التي تسيطر على القرار في جميع وزارات الحكومة العراقية بلا استثناء ، فالوزير في الحكومة قد وصل المنصب الحكومي عبر نظام المحاصصة الذي يتعارض ومبدأ الكفاءة والنزاهة والوطنية ، فضلا عن شراء المنصب بكذا مليون دولار في المزاد السياسي لهذه الكتلة وتلك ، فالمنصب ماعاد لخدمة الشعب إنما مغنم لابد من استغلاله لمصلحته شخصيا ولمصلحة الكتلة والحزب اللذين أوصلاه لهذا الموقع ، حتى أن سياسة الترشيق المزعومة التي ادعى العبادي ذات يوم بأنه بصددها من اجل إنقاذ البلاد ، تبين أنها سياسة تقشف شملت جيوب الموظفين فقط ، فهاهو مجلس النواب يصوت وبحرارة على تطبيق سلم الرواتب وفرض ضريبة الدخل ونسبة 3 بالمئة لدعم الحشد الشعبي والنازحين ، من دون أن يتساءل ولو عضو واحد من أعضاء هذا المجلس عن مصير الأموال التي خصصت للحشد وللنازحين في موازنة سابقة أكلها الذئب ونحن عنها غافلون ! ولم يسألوا وهم في النعيم غارقون ، بينما شعب العراق بين مهاجر ومهجر ونازح و بعض في السجون قابعون ، وفي مقدمتهم رجال المقاومة الشجعان من أبناء التيار الصدري الذي قاوموا الاحتلال الأمريكي الذي يحكم العراق عبر سفارته ، فالسفير هو الحاكم الحقيقي للعراق ، فلا (العبادي) ولا غيره يحكمون ، فالخلية التي تشرف عليها سفارة الاحتلال الأمريكي هي التي تدير شؤون البلاد ، هذا هو الواقع الذي يتجاهله الكثيرون لمصلحة سياسية أو لفوائد تضاف إلى أرصدتهم التي تفوح بنتانة فسادهم الذي جعل العراق في مقدمة الدول الفاسدة ، وهو الانجاز الذي يحسب لجميع من دخل العملية السياسية بعد التاسع من نيسان 2003 ، واستثني هنا في مقدمة من استثنيهم ( السيد جعفر محمد باقر الصدر ) الذي كان ولا يزال أنموذجا للشخصية النزيهة الحريصة على سمعة عائلتها ، وفي القائمة شخصيات وطنية أخرى رفضت نظام المحاصصة الطائفي ، ونأت بنفسها عن العملية السياسية الفاشلة برمتها التي جعلت حياة العراقيين جحيما.
مقالات اخرى للكاتب