لسنا بصدد إطلاق الأحكام جزافا أو الانحياز لجهة دون أخرى إنما لكشف الوجه الحقيقي للإعلام بطرفيه ومعرفة البعض من الأسباب والتوجهات التي تعم في الساحة الإعلامية العراقية لأننا نعيش عالماً إعلامياً متضارباً ومتقلباً له حمالة العديد من الأوجه بما فيه الوجه الظلامي المدعي الذي يحاول تشويه العقل الإنساني بواسطة الطائفية وباسم الدين الإسلامي وهدفه غلق العقل أمام أية نقطة ضوء تنويرية، أما الوجوه الأخرى فهي تنتمي إلى أفكار وأيدلوجيات تسعي عن طريق الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية أن تدس السم في العسل وهي تبحث عن أية طريقة لكي تشوه الفكرة أو الخبر ولتسعير الاحتقان وبث روح التشاؤم والقلق والفرقة والانشقاق، وقد ساهم هذا الأعلام في تأسيس مفهوم الكذب " المصفط " هو أفضل من الصدق " المخربط " لأنه يستطيع خداع الوعي الاجتماعي، وقد يصل الكذب والتلفيق حتى مخالفة الشرف المهني الإعلامي الذي يحمل الرسالة الوطنية الايجابية في نشر الحقيقة وتوعية المواطنين وجعل مصلحة البلاد فوق أية مصلحة شخصية أو ذاتية، هذه الوسائل الإعلامية التي انتشرت بشكل سرطاني وبدون أية اعتبارات موضوعية بعد احتلال العراق وإسقاط النظام وفي ظل حكم الحاكم الأمريكي بريمر الذي أصدر أمراً تحت رقم ( 65) حول تنظيم عمل وسائل الإعلام والبعض من القوانين مازالت تفعل فعلها حتى في هذا المجال الحيوي بحجة الديمقراطية وحرية الإعلام، ومنذ ذلك الوقت انتشرت عشرات إذ لم نقل مئات الصحف والجرائد والمجلات والدوريات والإذاعات والقنوات التلفزيونية المحلية والفضائية وكأنها مارد انطلق من القمقم الذي صنعه النظام السابق وجعله حكراً عليه فقط دون السماح حتى بصحفٍ مستقلة شكلاً، وكان هذا التوجه غير المخطط المتخبط في البعض من توجهاته والمُخطط وذو أهداف رسمت له عبارة عن كم لا زال يفعل فعله الإعلامي في الساحة العراقية وبخاصة الإعلام المضاد للتغيير والتخلص من آثار الماضي، هذا الإعلام له مخالب عديدة وباتجاهات معينة لكنها في الأخير تصب في مجرى تخريب العلاقات والوقوف كحجر عثرة أمام أي تغيير ممكن، ويشن هذا الإعلام المقروء والمرئي والمسموع حملات مشبوهة بهدف التقويض أو نشر الإشاعات والأكاذيب وتلفيق المواضيع وتعميمها وتهويل الأخبار وحرفها أو دس ما يمكن أن يفضي لخلق تشويهات إعلامية تؤثر على وعي المواطنين، ولنأخذ مثلاً حياً حول التهويل وفبركة الموضوع فأي خلاف أو تصريح معين حول أي موضوع مازال قيد الدراسة أو الاختبار ينقل وكأنه حدث فعلاً وقد يضاف إليه ما يوحي أن ذلك أصبح أمراً نافذاً وعندما ينتشر وتبدأ عملية الكشف عن التصريح أو النشر الكاذب تتراجع الجهة أو الجهات وتضع اللوم على عاتق غيرها لكن بعدما سرت النار في الهشيم وأصبح المعني أو المعنيين وسمعتهم في أفواه الآلاف من المواطنين، ونأخذ مثالاً جديداً فقد نشرت البعض من وسائل الإعلام تصريحات من البعض من النواب أو المستشارين والناطقين الرسميين حول تكديس الأسلحة في مخيمات الاعتصامات في الانبار وأماكن أخرى وهي عملية تهدف لدفع الحكومة إلى احتلال هذه المخيمات وللتصادم مع المواطنين المعتصمين وخلق حالة من الذعر والتهيؤ للمواجهة المسلحة الممكنة بين القوات الحكومية والعشائر والمواطنين، وبخاصة إذ رافق هذه التصريحات تصريح آخر حول قيام استعراض عسكري لبعض الفصائل المسلحة، أو توزيع العديد من القوائم التي تحتوي على مطالب المعتصمين وعند التدقيق ظهر التناقض فيما بينها وما بين بنودها، وفي هذا الصدد صرح الشيخ حاتم السليمان لفضائية العربية أنها تختلف عن المطالب الحقيقية وقد سلم بيده نسخة أصلية لمراسل ومصور العربية تختلف عن ما صرح به النائب علي اشلاه عن ائتلاف دولة القانون كما كذب مسألة وجود أسلحة داخل المخيمات وأشار بدوره أنهم بهذه الحجة يريدون احتلال المخيمات والتصادم مع المعتصمين فلا توجد أكداس من الأسلحة ولا استعراضات عسكرية بل هناك مطالب عدّدها وأكد من خلال ذلك مشروعيتها وهي بعيدة عن الخطاب الطائفي الذي أشار له علي اشلاه وحتى انه قال له " في عشيرتي سنة وشيعة فهل في عشيرتك سنة " على حد قول حاتم السليمان، أما بخصوص العلاقة مع الإقليم وزوبعة قوات دجلة وما يخص تحركات البيشمركة فقد تواصلت التصريحات والأخبار الملغومة وكأن تصادماً عسكرياً على وشك الوقوع وقد حدد البعض من الوقت ثواني وآخرين دقائق مما جعل النفوس تنشد والقلق يدب في قلوب أكثرية المواطنين وهم يتذكرون الحروب التي قامت في زمن النظام السابق ومآسيها وما جرته على العراقيين من ويلات ومصائب، وعندما انفجرت الفقاعة وبدأت الأمور ترجع إلى عهدها وانتهى صخب التصريحات والتهديدات إلى تقبيل الذقون واللحى كما ظهر عندما التقى الوفدان الحكومي ووفد الإقليم، هذه أمثال بسيطة جداً إذا ما قيست بتلك الخطيرة التي تتناول جميع المفاصل في البلاد وفي مقدمتها قضايا طائفية وأخرى قومية ودينية ومعاشية واقتصادية، محلية أو إقليمية وقضايا الفساد المالي والإداري وحول السلطات الثلاث فقط ليتتبع أي إنسان محايد إلى ما يدور في الإعلام الذي ينتهج سياسة شد الحبل فسوف يجد الترويجات والادعاءات والتشويهات والكذب والتلفيق ومختلف القضايا حتى تلك التي تسيء لسمعة البعض وتحاول الطعن بأخلاقهم وهي عملية منظمة لا تخلو من الدفع الخارجي والتجنيد للأطراف التي ليس في صالحها استقرار الأوضاع وهذا الإعلام لا يختصر على من يعارض الحكومة أو رئيس الوزراء نوري المالكي فحسب بل قسماً منه ينتمي إلى الحكومة ويدعي انه يدافع عنها وعن الدستور وهو يقوم بفبركة التصريحات وتحويرها وحتى قسماً منه يحمل التهديدات التي تحاول إخافة الآخرين، فمثلاً نشرت وسائل إعلام قريبة لائتلاف القانون ( جاكوج منها ) وعلى لسان عضو فيه ( رفض الكشف عن اسمه تصوروا!!) إن مخططاً " تقوم به تركيا والحزب الإسلامي العراقي وأسامة النجيفي لعبور مقاتلي جبهة النصرة وفلول القاعدة والبعث والسلفيين والجهاديين الوهابيين من سوريا إلى العراق لإسقاط الحكومة الشيعية " والذي يدقق في هذا الخبر يجد عدم كشف اسمه عبارة عن نكتة سمجة و إسقاط الحكومة الشيعية يتناقض مع تصريحات رئيس الوزراء بالضد من الطائفية ثم لا ندري كيف هذا النبيه جمع هذا الكم من الأعداء ونسى طارق الهاشمي والبرزاني وغيرهم، في خبر آخر تنشره ( جاكوج ) عن قيادي في الهيئة السياسية للتيار الصدري ( رفض ذكر اسمه لا نعرف خوفاً أو تستراً ) بان مقتدى الصدر غير مرغوب فيه لا في إيران ولا في لبنان، ففي ايران فخامنئي يمارس ضغطاً عليه لكي يدعم حكومة المالكي وفي لبنان فإن حسن نصر الله " رفض طلبا تقدم به مقتدى الصدر لزيارته في مقر إقامته في ضاحية جنوب لبنان لافتا إلى أن نصر الله لديه مواعيد وارتباطات كثيرة" وفي آخر الخبر وبشكل يوحي بالاستخفاف بعقول المتلقين يذكر الموقع اسم حسن الخزاعي ويقول انه مقرب من الصدر، ولو مررنا على أخبار من هذا النوع فلن تكفي عشرات الصفحات كي يتم تدوينها والتي تحاول الاصطياد في المياه العكرة .
إن الإعلام الوطني العراقي المعروف بوفائه لشرف المهنة باعتبارها مهنة وطنية ينأى بنفسه عن هذا النهج الخبيث ويقف إلى جنب القوى الوطنية والديمقراطية في مسعى وطنى لنشر المفاهيم الوطنية والتنويرية كاشفاً الحقيقة والواقع الموضوعي ولا يمكن أن يكون في موقف يعادي فيه الأسس الأخلاقية التي تتسم بصدق التعامل وصحة الخبر المنقول، وكونه يتحمل مسؤولية تجاه مصداقيته فهو يتصدى لجميع المظاهر غير الطبيعية التي تقف بالضد من مصلحة البلاد وأكثرية المواطنين ومنها قضايا الفساد التي أصبحت شائعة في العراق لا بل تكاد أن تصطدم بها في أكثرية مرافق الدولة والكشف عنها أصبح بالغ الصعوبة بسبب التهديد المباشر العلني والمخفي وصولاً إلى اغتيال الصحافيين الشرفاء الذين يقفون بجانب الحق ، والإعلام الوطني هو عين الشعب ومن خلاله تؤثر قيمُه الوطنية والصادقة في الفرد لتكشف له سبل وطرائق الإعلام المضاد والإعلام الطائفي الذي يحاول تشويه الواقع وطمس الحقائق ونقل المعلومات بشكل خاطئ ومضر لكي يمرر سياسة مرسومة لمخطط موضوع وجاهز، وينبري الإعلام الوطني مدافعاً عن حقوق المجتمع ومتطلبات الخدمات العامة والقضايا المعيشية والاقتصادية والحقوقية، كما أن سمة الإعلام الوطني هي الدفاع عن الحريات العامة والشخصية بما فيها حرية الرأي وحرية الصحافة، وبما أن الإعلام ووسائله يعتبر مصدراً من مصادر أخرى لنقل الأخبار والمعلومات فلا بد إن يكون مقبولاً وتوظيفه بشكل سليم بحيث يعتمد المصداقية والمبدئية ويعبر عن إرادة أكثرية المواطنين، وهذا ما دأبت عليه وسائل الإعلام الوطنية العراقية منذ أول تأسيس لها حيث أصبحت لسان وضمير الشعب وحملت اسم السلطة الرابعة بحق وشرف ولم تساوم على مصالح المواطنين وبخاصة الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة وشغيلة اليد والفكر، ولطالما تعرضت إلى الاضطهاد بغلقها ومصادرة ممتلكاتها فضلاً عن إيداع العشرات من الإعلاميين من صحافيين ومثقفين وغيرهم في غيابه السجون والمعتقلات.. واليوم في ظروف الكم غير الطبيعي لوسائل الإعلام وتعدد مشاربه واتجاهاته ومواقفه السياسية تتحمل وسائل الإعلام الوطنية والديمقراطية النظيفة مسؤولية مضاعفة في تصديها للإعلام الذي يحاول تشويه وعي الناس وتشويه الحقائق، ودفاعها في الوقت نفسه عن حقوق المواطنين ومصالحهم وعن الحريات المدنية والسياسية.
مقالات اخرى للكاتب