كان الجنرال الروماني بومبيوس يقول لمواطنيه كل يوم "إلامَ تسألوننا عن القانون، ونحن من نحمل السيف في وجه الأعداء؟". وأتمنى قبل أن يتحمس البعض ويجعل من جملة بومبيوس شعاراً لدولة القانون، ان يعرفوا بأن الجنرال الروماني لم ينتهِ نهاية سعيدة، وأن جنرالاً آخر انتصر هو يوليوس قيصر.. وكان يوليوس صاحب مقولة إن القيصر يجب أن يكون فوق المساءلة لأنه فوق الشبهات.. وهؤلاء الذين يعيشون فوق الشبهات لم نجد أحداً منهم اليوم يستبدل الخطب الرنانة، ببرامج تقول، ماذا سيقدم أصحاب السلطة للعراقيين الوطني في عصرهم الزاهي بالخطب والشعارات وصور قادة دول الجوار؟
مرت عشر سنوات ولم نر ملامح عقد جديد بين المسؤول والمواطن، ولا تغييرا في بنية النظام، ولا اشارات الى انّ العقل الذي يجلس على كرسي الحكم بعد 2003 يختلف في شيء عن الذين جلسوا قبل هذا التاريخ، فما يزال المسؤول هو الامر الناهي، ومؤسسات الدولة تدور حوله، وحملة التسويق من اجل ترسيخ صورته كقائد منقذ للبلاد، انتظر رئيس مجلس الوزراء حتى اصبحت ورقة "المصالحة الوطنية" قادرة على التغطية على ملفات مثل الخدمات او التنمية او التعليم او غيرها من ملفات لا يمكنه الاقتراب منها، لأنّها تتعلق بتأسيس دولة المواطنة لا بشعبية من يجلس على كرسي رئاسة الوزراء.
لا يرى المالكي اليوم من التغيير إلا انّه الجسر الى السلطة وليس اكثر، ولهذا فلن ينزعج ابداً من عودة اساليب التعذيب، ولن يسأل نفسه لماذا تستطيع القوات الامنية توفير الحماية لسكان المنطقة الخضراء ولا تستطيع توفيرها لسكان العراق، لم يسأل نفسه وهو يطالبنا من جديد ان نعود الى ملف المصالحة الوطنية، عن مصير مؤتمرات المصالحة التي ظلت تنعقد منذ عشر سنوات، فيما الناس تقتل كل يوم في الشوارع.
لا يريد المالكي ان يتذكر مؤتمرات عامر الخزاعي عن المصالحة المستدامة ولا ابتسامة قاسم عطا وهو يبشرنا بان الجميع القوا بسلاحهم وتناولوا "معجون المحبة" الذي انتجته مصانع ابراهيم الجعفري صاحب خطبة العراق يحقق المعجزات، فاكتشفنا في النهاية اننا اسرى حكم المعقدين نفسياً والمصرين على أن نعيش معهم دهوراً من الجهل والتخلف؟ اسرى سياسيي الخطب الرنانة وهلوساتهم؟ هل يمكن أن نصدق أنّ سياسيين جاءوا باسم الدفاع عن الحق والعدالة، نجدهم اليوم يحاولون إقناعنا بأن المشكلة في البلاد ليست في الأمن المفقود، ولا في غياب الخدمات وقتل الناس على الهوية.. وإنما مع مؤتمرات المصالحة الوطنية التي طالبنا المالكي امس بان لانغادرها فهي وحدها القادرة على اعادة الأمن والازدهار للعراق.
اذن سر الاستقرار والتنمية والاستثمار هو عودة مؤتمرات عامر الخزاعي، وان يشعر العراقي بأنّه فرد له حقوق المشاركة الكاملة في هذه المهرجانات؟ وهذا ما يعمل من اجله المالكي ومعه ائتلاف دولة القانون، يحشدون الناس لتصفق وتعيد الهتافات نفسها التي قيلت من قبل لكل حاكم، هذا ما عشناه خلال السنوات العشر الماضية، فماذا عن الولاية الثالثة؟ كيف سننجو من مؤتمرات المصالحة، والسيطرة على مفاصل الدولة، ونسيان كل مطالب العدالة الاجتماعية؟ الى اين تقودنا الخطب والشعارات الحماسية؟
قال غاندي ذات يوم لاحد مساعديه: "إني افضل الانتظار أجيالا وأجيالا، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة".. يتكرر مشهد الخطباء في العراق دون أي تغيير.. مجرد إضافات جديدة. ألم يخبرنا المالكي أمس في حديث الاربعاء انه سنكرر عملية الأنبار في اية محافظة تشهد عمليات ضد الحكومة؟
كم سنحتمل من استعراضات ساستنا "الأشاوس" الذين يريدون منا أن نتربى على خطبهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسيا يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!
سياسيون لا يريدون لنا أن ندخل مثل سائر البشر، عصر الحياة والرفاهية، والخروج من ذل الخوف وفقدان الأمن والأمان.. ياعزيزي صاحب حديث الأربعاء - لا اقصد طه حسين طبعاً - الناس تريد أن تقرأ أرقام النمو ومعدلات التنمية، فقد ملـُّوا من أرقام الموت وخرائط الفقـر والفساد!
مقالات اخرى للكاتب