بقراءة سريعة للمنطقة قبيل الحرب العالمية الاولى وما بعدها نؤشر لصراع فكري بين الحركات الاسلامية من جهة .. بدءا بالنزعة الدينية التقليدية بقادتها الشيخ محمد عبده وجمال الدين الافغاني ورفاعة الطهطاوي ومن ثم تبلور حركات الاسلام السياسي كالاخوان المسلمين وانتعاش الوهابية عقب الثورة النفطية ثم انتهاءا بولاية الفقيه على يد الخميني وتفرعاتهما تحت عناوين ومسميات شتى.
ومن ناحية أخرى تمثلت بالحركات القومية على يد شبلي شميل وميشيل عفلق والحركة الناصرية ...وقد كانت الصراعات الفكرية القومية ساحتها القاهرة ودمشق وبغداد واليمن .. حين ذاك بقي الصراع جليا في مصر بين الناصريين والاخوان المسلمين ... وقد كسبت الحركات القومية الرهان لتصدر المشهد بعد الحصول على السلطة بانقلابات عسكرية كما حدث في دمشق وبغداد تحت شعار الوحدة والحريّة والاشتراكية وكما جاء في دروس العقيدة القومية باعتبار الانقلابية منهجا فكريا لبلوغ السلطة وتطبيق النهج القومي ولكن سرعان ما تفتتت تلك الأحلام القومية بعد فشل الوحدة بين مصر وسوريا وما تعقبها الصراع بين دمشق وبغداد البعثيتين حتى ان دمشق تحالفت مع طهران الفارسية ضد بغداد العربية في الحرب العراقية الإيرانية.
وبدأت مرحلة التضاد الاستخباري واضحة للعيان بين الحركات القومية حيث العداء بين البعث السوري والبعث العراقي حتى جند كل منهم أدوات الإطاحة بالاخر باستخدام الأحزاب الدينية حيث بغداد تدعم الاخوان المسلمين في دمشق وسوريا تدعم حزب الدعوة في العراق كما استخدم قادة مصر الاخوان المسلمين في بعض المراحل من اجل اضعاف الخصوم في الساحة المصرية من حركات علمانية ومدنية.
نحن الان امام مخاض عسير بعد الانتكاسة الفكرية وأفول الهوية القومية وغياب البوصلة منذ عام ١٩٩٠ حيث غزو الكويت وما لحق بها من دخول الجيش المصري والسوري لساحة القتال من اجل تحرير الكويت وتدمير البنية العسكرية والمعنوية للجيش العراقي وبذلك سقطت الشعارات القومية وافل نجمها بوضوح بعد استعادة الكويت وباجماع عربي تحت راية الولايات المتحدة الامريكية حينها. ونجاح التمترس الديني تحت واجهات شتى.
وفي ظل ذلك التزاحم للاستيلاء على مناطق النفوذ عقب السقوط المدويّ للاتحاد السوفيتي .. سرعان ما برزت القوى الثلاث الإقليمية تركيا الاخوانية وطهران الخمينية والرياض الوهابية والولادات الخطيرة التي ولدت من رحمها كالقاعدة والاخوان المسلمين وحزب الله والدعوة والحزب الاسلامي العراقي وطالبان والكثير من احزاب وحركات التطرّف الديني بشقيها الشيعي والسني وكان اخر الولادات داعش ... وما ادراك ما داعش؟
ولكن الان بدأت حالة الارتداد لتلك المحاور لاستنهاض الرؤى القومية بغطاء ديني حيث صيحات طهران الفارسية والآستانة العثمانية ... اما الرياض فتحاول مسك الخيطين الديني في الرياض والقومي بواسطة احياء مصر وإعادة مكانتها العربية .. اما في بغداد يبدو ان الرياض تخلت عن مسؤولياتها العربية خوفا من التصادم المباشر مع اجندة طهران في بغداد... وهي الان في حرج لمغادرة دمشق عقب الرسالة الامريكية الواضحة على لسان وزير الخارجية كيري.
ولكن جميع الأفكار القومية الوافدة لساحة الصراع تحكمها عجلة التطرّف الديني فعلى المجتمع الدولي التنبه لساحة الصراع القادمة والولادات المشوهة وان يأخذ على عاتقه المسؤولية الانسانية بإصدار القرار اللازم اتخاذه بمكافحة التطرّف الديني تحت طائلة البند السابع بمراقبة مناهج التعليم والجامعات وأوكار المدارس الدينية التي تخرج آلاف القادة الميدانيين المتطرفين لمعاداة الانسانية والحياة.والمساهمة الفاعلة في التنمية البشرية واعلاء ثقافة حقوق الانسان وتحرير المرأة ومراقبة الأموال المخيفة المستثمرة في احياء مدارس التطرّف لإخراج العالم من دوامة العنف القادم.
مقالات اخرى للكاتب