يختلط الأحتفال بعيد النوروز وأعياد الربيع وأعياد شم النسيم في العديد من دول العالم وخاصة الشرق الأوسط ،فرغم ان الأحتفال كان يتم تاريخيا ًفي العديد من الدول المتباعدة غير ان سبب منشأه يعزى الى اسباب متعددة بعضها يرجع الى اساطير تؤمن بها تلك الشعوب ،ولكنها تعبر عن حاجة روحية للأسترخاء ونسيان هموم الحياة بما توفره الطبيعة من جمال وأجواء رائعة وانفتاح بعد فصل الشتاء القاسي .
ففي بلاد مابين النهرين حيث يعد السومريون من أقدم الشعوب التي انشأت حضارات زاهية فيها ،أحتفلوا بعيد كانوا يطلقون عليه ( أكيتو ) ،وتدل الترجمة الى انها تتعلق ببذر وحصاد الشعير،فالحصاد يتم مطلع شهر نيسان والذي هو عندهم اول أشهر السنة ،وفي الخريف يبدأ الأكيتو مع بذر الزرع والأهتمام والتهيأ للموسم القادم وفي الربيع يحتفل بموسم الحصاد .
وفي أور وخلال حكم سلالة أور الثالثة (القرن الحادي والعشرين ق . م ) كانت الأكيتو تقام لآله القمر السومري نانّا ، وكانت المناسبة بما يعتقد انها تحمل من قداسة وبركة ممزوجة بهدوء وجمال الطبيعة مناسبة لأقامة شعائر الزواج المقدس لآعتقادهم انها دالة على الخصوبة ايضا ً .
اما عند البابليين فقد كان يشير الى مناسبة دينية مهمة تستمر فيها احتفالات البابليين اثنا عشر يوما ، وهو انتصار الآله مردوك على الآله تيامات ،ويشتمل مهرجان الأحتفال على شعائر سحرية ودينية ،وتتم تشبيهات رمزية لفصول من إينوما إليش (قصة الخليقة البابلية ) ،حيث كانت تقرأ القصة في اليوم الرابع .
اما بلاد فارس والكرد فانهم يحتفلون بعيد نوروز(21 أذار ) والذي يعني اليوم الجديد ،و تكاد تتشابه طريقة الأحتفال به حيث يحرص الأيرانييون ،الذي يمتد عندهم العيد الى خمسة أيام ، على الخروج من محيط العيش الى الطبيعة وتناول وجبات خاصة بالمناسبة ،ويرتدي الأكراد الزي التقليدي نساءا ًورجالا ً ويؤدون رقصات ودبكات خاصة محتفلين بالمناسبة التي يرجعونها الى الثورة على أحد الملوك الظلمة .
وعيد نوروز عيد قومي عند الشعب الأيراني وهو رأس السنة الفارسية ( الهجري الشمسي ) ،وهو يوم الأعتدال الربيعي ،يستمر العيد رسميا ًلخمسة أيام ، وتتوقف خلاله المدارس والجامعات لأسبوعين .
ويحتفل في جنوب العراق بعيد الربيع في (21 أذار ) ويسمى (الدخول ) ،وتعلق أوراق الخس على مداخل البيوت دلالة على بدء الربيع حيث يرمز نبات الخس الى الخصوبة ،كما يخرج العراقيون في صباح 21 اذار الى الحقول والبساتين والمتنزهات حيث يتناولون وجبة الغداء كل على طريقته الخاصة .
اما المصريون فيسمونه ( شم النسيم ) ، ويعود تاريخ الأحتفال به الى العهود الفرعونية (قبل خمسة الاف عام ) ،وكان رمزا ً لبعث الحياة عندهم ويعتقدون انه اليوم الذي بدأ خلق العالم فيه ،وكان وقت الأحتفال به متميزا ًلديهم حيث يكون وقت الأنقلاب الربيعي و يتساوى فيه الليل والنهار ،ويجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم ،يظهر فيه قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربا ً تدريجيا ً من قمة الهرم حتى يبدو لهم وكأنه يجلس فوق قمة الهرم ،وفي تلك اللحظة تحدث ظاهرة عجيبة حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم فتبدو لهم واجهة الهرم وقد إنشطرت الى جزئين .
وماتزال هذه الظاهرة تحدث مع مقدم الربيع في 21 اذار كل عام وفي الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساءا ً ، نتيجة لسقوط اشعة الشمس بزاوية خاصة على واجهة الهرم ،فتكشف أشعتها الخافتة الخط الذي يفصل مثلثي الواجهة ،حيث يتبادلان الضوء والظلام فتظهر وكأنها مشطورة الى شطرين .
من الأطعمة التي يتناولها المصريون في يوم شم النسيم هي : البيض والفسيخ ( السمك المملح ) والملانة (الحمص الأخضر) والخس والبصل ،وهي ذات الأطعمة التي كان يعتقد الفراعنة بدلالتها على الخلق و الخصب والحياة .
وهكذا نجد ان أغلب الطقوس استندت الى التبدلات المناخية ،وبما كان يحمله فصل الشتاء من قسوة وزوال ذلك بمقدم الربيع فصل النماء وانطلاق الحياة من جديد ، وبالتالي فأن إختلاف أوقات الربيع بين بلد وآخر أوجد بعض الفروقات البسيطة بينها ،ولكن دلائل الربيع وصفاته واحدة على الأرض مثل إزدهار الفصيلة النباتية وتفتح الورود والأزهار ،وبدأ بعض الأنشطة الحيوانية المتميزة كالهجرة والتزاوج وغيرها والرائحة الخاصة للتربة والهواء الذي يحمل نسائم الربيع العطرة .
مقالات اخرى للكاتب