بحثنا ليس بجديد ، لكن مهم ، ووددت أن أذكر نفسي وبعض العقول الغافلة ، وهو عن ثقافتنا تجاه من حولنا ، وكيف ننظر لما لدى الغير ، فالثقافة الاجتماعية تعني : مجموعة السلوك والعادات التي تعودنا على القيام بها وممارستها ، والتي جبلنا وتربينا وتعلمنا عليها منذ الصغر، وربما ورثناها ممن سبقنا .. يقال " وشهد شاهد من أهلها " : نحن العرب سلبيون في نظرتنا للحياة ، وخاصة عندما ننظر إلي غيرنا ، وكيف نعبر عنها ، إلا مارحم ربي ، وأنا أقصد بنحنُ ، أي العرب ، لأن ثقافتنا متقاربة بحكم لغتنا وديننا .
ماهي المؤثرات على سلوكنا ؟ ، هل هي التربية فقط ، أم التعليم . بالحقيقة هي مناصفة بين البيت والشارع من جهة ، وبين التعليم من جهة أخرى ، وأرمي باللوم أكثر على التعليم والمعلم ، فلو حثت الحكومات العربية على سن مناهج تربوية اجتماعية ، عن كيفية التعامل مع الآخرين ، وكيف ننظر لشريكنا بالمجتمع وخارجه ، وخاصة منذ الصغر بالمراحل الابتدائية حتى الثانوية والجامعة ، وأنا أنصح وزارات التربية والتعليم العربية " وهي المسؤولة " ، بوضع مادة " مكارم الأخلاق " بالمنهج التعليمي ، وتكون مقتبسة من الأخلاق الإنسانية ، ومما تركه لنا مربي البشرية النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام ، وما نهج عليه من سبقه من الأنبياء عليهم السلام ، وهي مكارم الأخلاق في كل شؤون وجوانب الحياة ، حتى مع الحيوان ، ولو فعلنا هذا بالماضي ، لسهل علينا الأمر بالحاضر والمستقبل ، ولانريد أن نقول ذهبت الفرصة ، بل العكس ، نزرع اليوم لأبناء الغد ، فربما يأتي جيل عربي مختلف عنا فكراً ومنهجاً ، وذو نظرة إيجابية للحياة .
تبني بيت جديد ، أو تشتري سيارة جديدة ، أو أي سلعة ما ، ويأتي الأقرباء والأصدقاء ليقدموا التهاني ، ويضع كل شخص عيباً يصطاده عليك " لماذا لون الجدار كذا " ولماذا الباب هكذا ، ولماذا هذا يمين وليس يسار ، وهكذا دواليك ، والنظرة دائماً سلبية للأشياء بدل القول " البيت جميل جداً ، ولاحاجة للتعليق إلا إذا طلب منك أن تختار لوناً أو قراراً قبل تنفيذه ، وربما الانتقاد السلبي يأتيك من أقرب الناس إليك ، وكأنك عملت الشئ لهم وليس لك .
أخبرني خمسيني عند ذكر الموضوع بإحدى التجمعات ، أنه وضع تقويم لأسنانه ، ولم يسلم من الناس ، منهم من قال له : بعد أن شاب أخذوه للكتاب ، وقال آخر ، هل ستتزوج بأخرى ، أم عندك نية لفعل شئ لانعلمه ، والكثير من النظرات السلبية ، والمصيبة إن عمله بشركة حكومية كبرى ، وقابل أجنبي نسميه بالعرف " كافر " وقال : مذهل ! جميل ! أنت تفعل الجميل دائماً ياهذا ، أستمر وواصل ، وستجد الأفضل .. أنظروا ردة فعل الأجنبي الذي يحمل ثقافة تختلف عن ثقافتنا .
شاب سعودي وسيم يشتكي من الصلع ، فعمل عملية تركيب شعر شبه دائم ، وما أن دخل عمله بالدائرة الحكومية ، وهذا أول يوم له بعد اختفاءه أسبوع ، وبعد أن صرف الوقت والمال لعملية زرع الشعر بدولة أخرى ، فضحك الجميع ، وكلهم عرب ، وممن قال كيف تستحم بها ، ومن قال كيف تنام ، ومن قال هل تمشطها وترجعها ووو الكثير من الانتقادات والسلبيات ، إلا شخص واحد ، من هو ؟ ، إنه عامل النظافة بالمبنى ، وهو هندوسي وراتبه الشهري زهيد جداً ، بحيث لايبلغ نصف بدل المواصلات التي يستلمها زميله الشاب الجامعي المنتقد ، فقال عامل النظافة بالعربي عندما شاهد الشعر المستعار " الباروكة " ، وهو هندوسي وأعيدها ثانية ، إذ قال " ماشاء الله ، أنت جميل جداً ، لا لا ، أنت أصغر وأحلى عشرين سنة للخلف " بالله عليكم ماذا نسمي هذا التفاعل الإيجابي عند الغير ، أو من نطلق عليهم الأجانب أو الكفار أو سمهم ما شئت ، هل هي ثقافة الإسلام والأخلاق الإنسانية، أم ثقافة العرب وأهل الضاد الكرام .
في الختام ، وهذا حصل أمامي بإحدى الشركات حيث أتواجد ، سقط أحد الموظفين من كرسيه بالخطأ أثناء حركته ، فضحك كل الموجودين العرب ، وأنا أولهم ، أما الأجانب فصفقوا له بحرارة ، وهم يرددون " أوك أوك ، تيك أت إيزي ، ناثينج هابند " وهم يخطون بخطوات نحو الشخص الواقع على الأرض ، فأبتسم فرحاً وقام مكانه ، ونسى الخجل الكبير الذي رسمناه نحن العرب بالضحك والسخرية على قلبه وذاكرته .
تلك الحادثة تركت أثراً جميلاً بحياتي ، وتعلمت منها درساً لن أنساه ، لماذا أنا ضحكت معهم ، ولماذا نسخر من سقوطه ونحن رجال متعلمين ومثقفين ونصنف من الطبقة المتعلمة بالمجتمع ، وماذا تركنا للطبقة الأمية ، فتعلمت أن العلم والثقافة ليس بالشهادة ، إنما بشهادة الحياة وتؤخذ بالأخلاق ومكارمها النبيلة ، وشكراً على كل شئ يارسول الله ، وشكرا لله أننا مازلنا نتعلم مالم نعلم من أخلاقك الكريمة ، والختام " الدين المعاملة "
مقالات اخرى للكاتب