كان صوت المذياع عاليا بعض الشيء في سيارة (الكيا) التي أقلتنا انا و مجموعة من زملائي في العمل قاصدين ناحية السيبة الحدودية الواقعة جنوب مدينة البصرة، المذيع كان يتحدث بألم وحرقة كبيرين وهو يستعرض انجازات المهندسة العراقية الراحلة زها حديد رحمها الله، التي أمضت أعواما طويلة مغتربة عن بلدها، واستطاعت ان تترك بصمة كبيرة ومهمة في الفن المعماري العالمي الحديث حتى أضحت من أهم اعمدة فن العمارة العالمي، وحين كنا نستمع للتقرير نتطلع حولنا علنا نرى شاخصا عمرانيا يردم بعضا من الفجوة الهائلة بين ما عند البلدان التي حوت انجازاتها و ما عندنا، لم نجد ضالتنا للأسف الشديد الا حين وصلنا متنزه السيبة العائلي بعد نهاية زيارتنا العلمية، المؤسف ما وجدناه كان على الضفة الاخرى لشط العرب، وفي مدينتين تعودان للجارة ايران (عبادان والمحمرة)، المكان اتاح لي فرصة مشاهدة العمران الكبير والسريع الذي شهدته المدينتان الحدوديتان خلال سنوات الحصار الخانق الذي كانت تعيشه ايران الى وقت قريب، وعلى الرغم من اني لم ازر ايران حتى الساعة، الا أن المشهد اعاد الى ذاكرتي حكايات النهضة العمرانية الكبيرة التي حدثني بها أصدقائي زاروا مدنها الشمالية . الضفتان عند متنزه السيبة لا يبعدان عن بعضهما سوى 200 متر تقريبا، والمقارنة بين الضفتين تحصل بشكل لا ارادي لجميع زوار المكان وتجعل من بعضهم يلقي الحسرات، فالشواخص العمرانية للضفة المقابلة تتسع عموديا وافقيا، فلا يكاد ان يمر شهر حتى يلحظ الناظر شيئا جديدا يزيد المكان جمالا ورونقا، شقق سكنية، مصانع، قرى ترفيهية…..الخ، فالحركة تدب في المكان . والعمل متواصل بلا انقطاع، على ضفتنا الامر مختلف تماما تمر سنين اهل الكهف، وتمضي الاعوام تلو الاعوام بلا منجز حقيقي، وحتى الطريق الواصل الى الناحية والممتد الى الفاو، لازال ذو ممر واحد و تتخللها مئات المطبات والحفر، وتستقبل المستشفيات القريبة مصابي وموتى حوادثه اليومية، والمصيبة الكبرى اني على مدى اعوام طويلة لم اسمع مسؤولا استقال او اقر بإخفاقاته، بل على العكس تماما أكثر ما يتحدثون عن النجاح و الإنجازات ويقسم بأنه لن يدّخر جهداً لإسعادنا في كل محفل أو لقاء، بقدرة خرافية على الانفصال والتحليق بعيدا عن الواقع المر .
أذكر اني قرات حكمة رائعة تقول ( اعمل بصمت ودع عملك يتحدث )، عبارة جميلة يحتاج ان يتمعنها ويعمل بها المسؤولون، رحم الله جدتي دائما ما كانت تقول (اللسان ما بي عظم)، فلقد سئمنا الوعود وجاء وقت العمل وسأبقى بانتظار اليوم الذي ازور فيه متنزه السيبة مع عائلتي ولا اتلعثم مثل كل مرة وانا اجيب على سؤال طفلي المتكرر: بابا متى يكون عندنا مثل ما عندهم؟ سؤال يضطرني للمبالغة والتفاؤل المبني على الوهم ولا يستند الى قراءة دقيقة وموضوعية وأجيبه : أن شاء الله عما قريب .
مقالات اخرى للكاتب