لسنين طوال ، بقيت متشبثاً بموقفي " الوطني" من مؤسساتنا العراقية وضمنها الخطوط الجوية العراقية ومطاراتنا العراقية، رغم روايات الثقاة عن حقائب تضيع الى غير رجعة فلاتعود لأصحابها، و"زعاطيط" يجلسون داخل حجراتهم الزجاجية يختلقون ما يمكّنهم من عرقلة دخول المواطن بلاده عبر أسئلة سريالية لاجواب لها . كنت أتعامل مع مثل هكذا حكايات بإعتبارها محاولات لتحطيم ثقتنا بمؤسساتنا الوطنية وأردد :كلا أنتم مبالغون. لكن الذي حدث معي يوم 9 مايس 2013 في مطار بغداد " الدولي" رمى بي الى حافة اليأس، بحيث بت أشك بواقعية أملنا بدولة مدنية متقدمة في المنظور القريب في قادم السنين. الواقعة: بعد أن دخلت العراق عن طريق مطار أربيل يوم 25 نيسان قادماً من أمستردام، إندلعت أحداث الحويجة وقُطع الطريق البري من والى بغداد . ولأن أيامي القليلة مبرمجة بإحكام عبر لقاءات هامة مع وزارتي الثقافة والتعليم العالي ومع جهات رسمية أخرى ، ولتفويت الفرصة على جموع العلّاسة، والخطّافة، والقفاصة ،والجيش، والارهابيين الذين كان البعض منهم قد إصطاد ، كما أشيع، سيارات متوجهة الى بغداد وأدخل ركابها تجربة العمر العسيرة : "هل سأتهم بكوني رافضي أم ناصبي؟ هل يكفي ما أحمل من دولارات لفك أسري؟ هل سيقتلونني؟ هل وهل وهل ..." كان لابد لي إذن من التحليق في الجو بأسرع وقت ممكن فتوجهت الى مكتب الخطوط الجوية العراقية في عينكاوه. هناك نُصحت بقطع بطاقة مرجّع اربيل - بغداد . وللإفادة من الوقت ببغداد ولتفادي الخروج من مطار اربيل بعد عودتي من بغداد وتحاشي اجراءات التفتيش، وحجز غرفة في فندق، ومساومات اصحاب التاكسيات التي أمقتها، نصحني الموظف بأن أوقت طائرة العودة من بغداد لكي تهبط في اربيل قبل إقلاع طائرتي من اربيل الى امستردام بثلاثة ساعات . سألت الموظف قلقاً من إحتمال تأخر وصول طائرة العودة من بغداد لأن لدي موعد علمي هام في أمستردام في اليوم التالي فأجاب: "أستاذ هذه رحلة داخلية تستغرق 40 دقيقة فقط، حتى إذا تأخرت الطائرة فسوف لن تتأخر أكثر من عشر دقائق..لاداعي للقلق إطلاقاً". وهكذا طردت الأسئلة القلقة من حجرة رأسي. قبل يوم من موعد العودة، كنت في الصباح الباكر قد لاحظت أن شبكة انترنت مطار بغداد تعطي معلومات غير صحيحة عن رحلة طائرتي المرقمة I A 209 ومتناقضة تماماً مع ما موجود في شبكة مطار أربيل..حاولت الإتصال بالمطار لكن أحداً لم يرد علي في حين رد موظف الخطوط : لاتغيير في موعد الرحلة ..الساعة الخامسة عصراً . وصلت مطار بغداد قبل خمس ساعات من موعد إقلاع طائرة الخطوط الجوية العراقية المقرر في الساعة الخامسة عصراً محتاطاً لكل أنواع التعطيل والتأخير التي طرأت على بالي من زحمة الطريق الى إجراءات تفتيش أو تعطل السيارة أو سفر مسئول ما، وكان أن دخلت المطار منشرح الصدر بعد أن تغاضيت عن سؤال أحد الضباط المراهقين والذي لم يعجبه شكلي الرسمي برباط العنق والبدلة على مايبدو فخاطبني من وراء زجاج مكتبه: "علاوي شتشتغل ؟" فأجبته : "تكرم ، باحث علمي أجلك الله !" وكنت، على الرغم من تصرف ضابط المطار غير المهذب والدال على أن معياراً آخر يحكم آلية إختيار موظفي المطار غير أن يكون المرء إنساناً متحضراً ، كنت ما أزال متفائلاً بكسبي رهان دفاعي عن مطار بغداد والخطوط العراقية.. شحنت حقيبتي الكبيرة وبقيت أنتظر معلومات عن البوابة التي ستقودني الى الطائرة ..طيلة ساعتين لم ترد على لوحة المعلومات أية تفاصيل عن الرحلة I A 209 ولاحظت وجود طائرتين غيرها ستطيران بذات الوقت الى أربيل والسليمانية فعبّرت لأحد الموظفين عن رغبتي في تبديل طائرتي التي لم ترد عنها أية معلومات فقال: "أستاذ ..بتسهيل الله ستطير طائرتك في موعدها " قلت:" لاعلاقة لله بالموضوع ..الساعة الآن هي الخامسة والمفروض أن الطائرة قد أقلعت الآن فكيف ستطير في موعدها؟ قصدت موظفاً آخر فقال: "ستأتي بإذن الله ..عطل بسيط!" بلغ تأخر الطائرة ساعة كاملة فتوجست من التأخير خيفة وقصدت أحد المسئولين الذي كان منهمكاً بالإتصال بجهاز لاسلكي بأحد ما، إستمع اليّ وكأني عتالاً أعمل في بيت أبيه وأجاب بجملة جافة: "الطائرة طارت من طهران الساعة الثالثة ..وإحسبوها أنتم !" قلت مستشاطاً : " لماذا تكذبون على الناس إذن؟ أن أي عاقل يعرف أن من يطير من طهران في الثالثة لايمكن أن يصل بغداد في الخامسة ؟ في هذه الأثناء قدم ، على أثر سماع المشادة حشد من أفراد الخطوط وكان من بينهم علماء في السفر الجوي على ماظهر من مداخلة أحدهم: "محلولة إن شاء الله، الطائرة ستصل السابعة والنصف وستكون في أربيل الثامنة والربع وستلحق طائرتك التي ستطير في التاسعة والربع بإذن الله !!! فأين هي المشكلة؟ قلت: "المشكلة في أن أمثالكم موجودون هنا في حين كان الأولى أن تشتغلون في كراج النهضة، فهل تعرف كم ستستغرق إجراءات دخول المسافرين للطائرة؟ ووصول باص نقل المسافرين الى قاعة الحقائب ؟ وإنزال الحقائب في أربيل ؟ ثم شحن الحقيبة في الطائرة المغادرة الى أمستردام وتدقيق الجوازات ودخول الطائرة؟ وهناك مشكلة أخرى هي أنكم إخترعتم مهمة لله هي تبرئتكم من فشلكم ونتائج تخلفكم ..إن شاء الله وبإذن الله وبتساهيل الله " وكان ماكان فهبطت الطائرة في أربيل في الساعة التاسعة مساءً بدلاً من السادسة مساءً ، في ذلك الوقت كانت طائرتي قد تجاوزت حدود أجواء أربيل بإتجاه أوربا..وكان عليّ أن أنتظر خمسة أيام بتكاليفها ثم أدفع تكاليف بطاقة جديدة ..خسائر في المال، والوقت وتغيّب عن مواعيد هامة يتوجب على " الخطوط الجوية العراقية" تعويضها كاملة ..إحتراماً لسمعتها التي ستتآكل حتماً إن إختارت طريق التجاهل ..وسنرى!
مقالات اخرى للكاتب