رضينا بالاحتكام للصناديق وعلينا التسليم بما أتت به. لكن التسليم لا يعني الاستسلام. مخاوف الشعب انتخبت من يظن انه يطمئنه. فاز المالكي بالسهم الأوفر وقضي الأمر. لست يائساً وإنْ كنت منزعجاً. لأن نتائج الانتخابات التي أعلنت اليوم تعني ان محرك الأزمات باق لأربع سنوات مقبلة، وتعني ان الطائفية لم تزل الرهان الأول. لا أحد يلوم الناخبين. الجمهور السياسيّ ليس فرداً ليفكر ويتأمل في مصيره.
كثير من المثقفين المعروف عنهم الخنوع والمشي لصق الحائط يتنادون اليوم: (كل هذا حدث بسبب انتقادكم المتكرر للمالكي فقد جعلتم منه أسطورة وخلقتم له شعبية) الى ما هنالك من كلام يبررون به هز ذيولهم القديم، وهزّ ذيولهم المقبل بإذن الله.
سنوات ثمان مرت هباء منثوراً، وأربع أخرى ستمر كسابقاتها، ومعها المزيد من الدم والدموع والسرقات.
لا أحد يلوم الساسة المصطفين مع المالكي، ماذا يريد السياسي أكثر من رجل قويّ يحميه إذا سرق ونهب (فلاح السوداني وعادل محسن وصابر العيساوي وكثيرين غيرهم)، ثم يدخل معه الانتخابات فيصبح نائباً حتى ولو جمع ألفي صوت فقط؟ ماذا يبتغي السياسي أكثر من ذلك؟
ولا أحد يلوم الناخب أيضاً. اليائس يشتغل عنده مبدأ الاستصحاب تلقائياً فيحرص على إبقاء ما كان على ماكان. والرجل قدم نفسه طائفياً قبل الانتخابات على أكمل وجه. فانتخبه الطائفيون (هذه لم تعد شتيمة أليس كذلك؟) وأغلب ابناء شعبي طائقيّ (نعم ليست شتيمة).
مَن كان معارضاً للمالكي لأنه يخشى تحوله إلى ديكتاتور ستتأكد معارضته له اليوم. ومن كان يعارضه خدمة لحزب آخر وشخص آخر سيصيبه القنوط. شخصياً آذاني أصدقاء كانوا يكتبون في صفحاتهم ان فلاناً ينتقد المالكي ليخدم علاناً، رغم انهم كانوا أجبن من أن يكون لهم رأي واضح بأي حدث خوفاً من أن يؤاخذوا عليه. الجبناء يعيشون حياة أطول بالتأكيد وينتصرون دائماً لأنهم يمكن أن يكونوا مع الجميع ضد الجميع في آنٍ. وجوههم بلا ملامح.
الشعب اختار. لكنّ خيارات عامة الناس ليست خياراتنا وسنعارضها. ليس في الأمر مفارقة: نسلّم بخيار الناس لكننا نلزم جانب المعارضة. وانتخاب المالكي ليس أول إرادة للشعب تستحق المعارضة. المد الطائفي مثلاً خيار عموميّ اليوم لكن لا يجب أن ننصاع له. التزمت الديني مرضيّ عنه شعبياً وهو ليس خيار الإنسان السويّ حتماً. العشائرية كذلك. تقبّل السرقة والصمت على مرتكبيها. كل تلك الموارد تستحق ان نقابلها بالمعارضة. وقد رأينا أيام التظاهرات كيف ان عامة الناس لم تكن متعاطفة معنا. كثير كانوا يكرهوننا. بل ان كثيراً من المثقفين استغلوا الأمر فوضعوا قدماً هنا وأخرى هناك فأفادهم هذا الوضع الاكروباتيكي سيارات وأموالاً وحظوة.
نحن معارضة. وبغياب المعارضة السياسية فنحن ـ بعض المشتغلين بالثقافة ومنظمات المجتمع المدني ـ المعارضة الوحيدة الحقيقية في هذا البلد.
اخطاؤنا كثيرة، لكنْ ليس من بينها إصرارنا على انتقاد المالكي بالتأكيد. هذا أمر يجب أن يستمر. حتى لو كان المالكي معصوماً بنصّ مقدس وأرتكب ما ارتكب في سنوات حكمه فلا يجب السكوت عنه، إلا إذا كان المرء مستفيداً أو خانعاً بطبعه.
أيام ثقيلة ستمر على العراق ومرعبة قبل تشكيل الحكومة. وما دام لم يتغير شيء فإن المحنة ستستمرّ ... ومعارضتنا أيضاً.
المعارضة حلوة يا رفاق!
مقالات اخرى للكاتب