انه سؤال وجهه احد زملاء الدراسة الى استاذ مادة العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية فأجابه : من نسكت حينها انفجرنا ضاحكين لجواب الاستاذ المفاجئ الذي تصورناه اهانة للزميل الذي كان مشاغب وكثير الكلام اثناء المحاضرات. لكن الاستاذ نبهنا بأن القصد من جوابه لم يكن موجها الى ذاك الطالب وانما للاشارة بان الخير يدركنا ريثما نكف عن الثرثرة ونعكف على الصمت والتامل. واختتم الاستاذ الفاضل حديثه ممازحا (بعد اربعمئة عام ميصير براسنة خير) . وبعد سنين طوال على هذا الموقف ادركنا حكمة المعلم هذه . بالفعل نحن قوم(بس حجي) ولايسلم من سهام كلامنا لا الشريف ولا السافل لا النزيه ولا السارق . في السياسة ومنذ عقد من الزمان لم نحصد الا التصريحات الفارغة والوعود الزائفة والعهود الكاذبة, حتى كادت الاذان الوسطى للعراقيين ان تثقب , ولو وجد لقناة (اوستاكي)لسان لانتفضت من هذه الضوضاء . قيل ان معظم ما يسمون انفسهم سياسيون يقضون اوقات فراغهم الواسعة بقراءة كتب (فن الاقناع) لاجادة فن (التقشمر) على الناس البسطاء واقناعهم بان هذا السواد الحالك ابيض ناصع, ومن اجل كسب الرأي العراقي القائل (طبعا هذا خوش يحجي) هذا في السياسة , اما في المجتمع فأن الامر ضيم وقهر ! في الهندسة الجميع مهندسون وكذا الحال في جميع ميادين العلم والمعرفة , حتى باتت مفردة (لا اعرف) مهجورة من قاموس قضايانا اليومية , فكلنا الراسخون في العلم . البعض يتفنن بتصيد زلات الاخرين وسرعان مايذهب الى محل الحلاقة او المقهى لكشف المستور, اما اللعلعة فحدث بلا حرج , الزوج يلعلع والزوجة تلاسن والابن بينهما صاغر, حينما يغيب الهدف وينقشع الطموح ويتسع الفراغ يبدأ شريط الثرثرة بالتشغيل ليقذف حمم الاغتياب والنميمة. والادهى اكثر الحكم المحفوظة بين الناس (خير الكلام ما قل ودل) و(واكعد عوج واحجي عدل) . لكن لا جلسة رزينة ولا كلمة موزونة. سلاطة اللسان هذه سحقت التفكير الخلاق في العقول وصادرت مكامن النقاء من النفوس ولوثت مواطن الصفاء في القلوب, فما احوجنا اليوم الى (الصمت) . وكما قال الاستاذ الحكيم: (نسكت لكي ينبت الخير في رؤوسنا).
مقالات اخرى للكاتب