في ايام الطفولة كان التلفزيون يثير دهشتي واستغرابي وفضولي , فكيف بصندوق بجبهة زجاجية ان يعرض كل هذه الاشياء من شخصيات الوان وحركات واصوات ؟! بعدها توالت المخترعات العلمية والتكنولوجية فتضاعفت معها في دماغي مناسيب الدهشة والذهول ولازالت .
لكن الحياة في بلدي فيها العجب العجاب ما فاق حالة الاستغراب السالفة الذكر , الجميع سمع عن ذلك اللص في بلدي الذي سرق بعض النقود من احد المقاهي فحكم عليه - وكما اتذكر – بالسجن اكثر من عشرين سنة , بينما احدى الموظفات الكبيرات في امانة العاصمة اختلست ملايين الدولارات وهي الان حرة طليقة , وذاك الوزير سلب ونهب الوزارة , وهذا الوكيل او المدير العام (خمط) الى حد التخمة وهم الان لايزالون في مناصب رفيعة دقيقة في الدولة , وهيئة النزاهة كالمتفرج الاهبل داخل عرض مسرحي جاد .
الفضيحة اليوم , انه من كان بالامس متهم بالتورط بقضايا من العيار الثقيل كالارهاب يتربع حاليا على اسمى مؤسسات الدولة وسلطاتها , ومن كان يقذف تلك الاتهامات على غيره , اليوم نراه يقبل المقذوف من خديه ويربت على كتفيه لمناسبة تسنمه المنصب الجديد , ههههه ... طيب ماذا عن الارواح التي تزهق والدماء التي تسفح والاموال التي تهدر ؟! ماذا عن ملفات الفساد التي تعهدتم بكشفها ؟ ما حكم تهم الارهاب وقضايا القتل والتهجير والتصفيات الجسدية وتمويل الجماعات المسلحة والخيانة العظمى ؟ هل الجواب ذلك التقبيل والتبسم والتحاضن !!
الكارثة اليوم , ان من يطلق عليه رمز وطني وقائد سياسي وممثل لمكون بعينه قد يغدو ارهابيا , ثم يعود لتنفض عن ثوبه الاتهامات فيصبح رمزا من جديد . اعلم يا شعب ان ما كنت تسمعه من قادتك السياسيين من اتهام ومهاترة وشتائم , ما كان سوى للمتاجرة والتسويق والتسقيط ولمحق الحاضر وتدمير المستقبل وعبثا بالعقول وضحكا على الذقون , فاليوم هاهم ينوب بعضهم عن بعض بينما انت ياشعب فلا نائب لك ولا ممثل .
المصيبة التي اخشاها , ان استيقظ صباحا لاقرأ مانشيت صحيفة او عنوانا على نشرة اخبار في فضائية , يقول : ان الارهابي البغدادي اختير سفيرا للنوايا الحسنة واسقطت جميع التهم عنه , وقد يرشح اسمه لشغل حقيبة وزراية معينة او نائبا في احدى الرئاسات .
حينها سأهشم راسي بمطرقة المنزل , ولن ادع مجالا للصدمة والاستغراب ان يغمراني ثانية .