الوسائل التي استعملها نوري المالكي ليجلس على كرسي الحكومة، يكررها معارضوه، الآن.
الجمود السياسي في البلاد كان بحاجة إلى خارطة مختلفة، وقواعد لعب جديدة، لكن ثمة خوف من أن يتوقف ابتكار مثل هذه القواعد عند مشاهدة المالكي خاسراً، والاستمتاع بلحظة النشوة هذه.
كل ما فعله صقور دولة القانون حين تشكلت مجالس المحافظات في العام 2009، من حيلٍ، ومصائد والتفاف على الخصوم، يرد لهم اليوم في كأس مر.
أمس كان زعيم الدعوة الإسلامية عند نقطة فاصلة من مسيرة الولاية الثانية، كان في لحظة ضعف قاسية، افترض أنها أصابت فريقه بالوحشة والكآبة. فيما يبدو أن صالونات الخصوم تعج بالشامتين.
هذا يومهم.
كانت ليلة كربلاء مشحونة بالإشارات السلبية عن مصادر قوة المالكي المهدورة، والمتسربة، والمتوهم في حجمها.
في آخر معاقله يسافر ثلاثة من القادة، على غير العادة، لحسم مشكلات مجلس محلي، تفجر الخلاف فيه بين أصدقاء وأقرباء، وحلفاء الرئيس.
الحرص المبالغ فيه من المالكي على حماية كربلاء من عدوى المحافظات التي تسقط من شجرته تباعاً، بسبب حلف الصدر والحكيم، كان فخاً اظهر فريقه السياسي في محل ضعيف، لم تكن كربلاء لدولة القانون لولا أن المالكي تحرك كما لو انه يحسم صفقة اقليمية كبيرة.
كل شيء من كربلاء يختصر حال دولة القانون الآن. وهذا توقيت سياسي حرج يصل درجة انتهاء ولاية المالكي الثانية، مبكراً.
على دولة القانون أن يشعر بالأسف على رفضه سماع الآخرين، أولئك الذين طالما صنفهم بأعداء العملية السياسية.
هذه اللحظة المناسبة ليتوقف مشروع دولة القانون. يتوقف، فقط، لكي يتغير. وأول ما يمكن أن يتغير ليكون مقنعاً ان يفتح المالكي سجل النقد الذي وجه إليه طوال سبع سنوات.
هذه اللحظة المناسبة كي يراجع المالكي كم مرة كان مصراً على الطريقة "النافرة" ذاتها، ولم يجرؤ لمرة واحدة أن يحدث نصه السياسي، وحتى مفرداته.
المالكي يدفع ثمن أدائه الحزبي في المؤسسة الحكومية، وشعوره بأن الطريقة المناسبة للتفكير هي برأس "المعارض العتيد رئيساً للوزراء"، في ثنائية صنعت نظاماً وخطاباً يعاني الافصام.
المالكي دفع ثمن ايمانه بأن الأغلبية تعني اعطاء الظهر للأقلية، وأن الشيعة يمكن لهم أن يكونوا، فقط، حزب الدعوة، وان الحزب هو المالكي.
رئيس الوزراء محاصر، ويشعر بأن الخيارات تتقلص بين يديه. وأن الوقت لم يعد ممكناً لعقد أي صفقة جديدة، حتى لو كانت مكلفة لعهود فريقه السياسي، لا أظن أنه سيكون مقنعاً حتى لو تنازل كما لو لم يفعل أحد في حزبه لخصم لدود.
المشكلة أن رهان المالكي على الأغلبية كان مبنياً على سلسلة أخطاء كارثية، فلم يكسب الضد النوعي من السنة، فجاءه ضده النوعي في الشيعة بضربة، ينبغي أن تجعله، من الآن، يقرأ نتائج انتخابات 2014.
حزب الدعوة أمام لحظة تاريخية، موجعة وضرورية، في آن واحد.
مقالات اخرى للكاتب