كنس أيِّ ثقافة لا تعتبر النظام في الأردن نظاما فاسدا أيديولوجيا وتاريخيا..
مدراء المخابرات يجب أن يحاسبوا على تغَوُّلِ دائرتهم..
لا أن يُستبدلَ واحدٌ بآخرَ، بعد مكافأة الأول بمنصبٍ استجمامٍ يستحمُّ فيه..
رؤساء الحكومات يجب أن يحاسبوا على انحراف سياساتِهم..
لا أن يُستبدلَ منحرفٌ منهم بمنحرفٍ يُحال سابقه إلى بئرِ تقاعدٍ لا يرتوي منه..
كلُّ الفاسدين يجب أن يحاسبوا على نهبهم وسرقتهم للمال العام..
لا أن تُرفعَ كلُّ الأسعار، وتُختَرَعُ كلُّ الضرائب للحفاظ على مستويات فسادهم..
ولكن..
ماذا بشأن من يعرف عن هؤلاء كلَّ مساوئهم "تغوُّلا"، و"انحرافا" و"فسادا"..
ومع ذلك يمنحهم الفرصةَ تلوَ الأخرى..
مستبدلا متغَوِّلا بمتغوِّل..
يختاره بعناية فائقة تبحث عن الأكثر تغوُّلا لإدارة الدائرة التي ينبع منها الفساد كلُّه..
وحالاًّ فاسدا محلَّ فاسد..
وهو يعرف أنه أكثر فسادا من سلفه، وأنه لن يغير من الأمر شيئا، بل سيزيده تعقيدا؟!
ومبعدا منحرفا ليأتي بمنحرف غيره..
وهو يدرك أنه أشد انحرافا من سابقه، وأنه لن يخفِّفَ من الأزمة قيَد أُنْمُلَة، بل سيزيدها تأزيما؟!
ألا يجب أن يكونَ هذا أولَ المحاسَبين، بل أشدَّهم عقابا وتعنيفا وتوبيخا؟!
يا سادة يا كرام..
يجب أن نفهم من كل ذلك أن المسألة في الأردن لا علاقة لها بـ "معرفة" و"قدرة" و"رغبة"، ولا بكيفية تعاملٍ مع "أزمة"..
بل هي مرتبطة بواقعة "نظام" يحرص على مواصلة منهجه "الوظيفي" المُعبِّر عن حُزَمِ مصالحه ومصالح التحالف الطبقي الذي يمثله، والعلاقات الإمبريالية الصهيونية الرأسمالية التي يجسدها ويدافع عنها؟!!
النظام الأردني نظام هرِمٌ عفِن نخره السوس، من إخمص القدم ممثلا في "مدراء الدوائر الحكومية" و"كبار موظفيها"، و"الضباط الفاسدين في المؤسسات الأمنية"، إلى الرأس ممثلا في "مؤسسة العرش"..
ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، تعني مواجهة النظام بأكمله ومحاسبته..
والنظام بدهائه هو الذي يدفعنا إلى التفريق بين مكوناته وأعضائه وأجزائه في مطالبنا..
كي تسودنا رغما عنا ثقافة مُهلِكة مفادها أن المشكلة ليست مع النظام ذاته، بل مع بعض الفاسدين فيه..
وهي ثقافة خبيثة مفادها أن النظام في ذاته ليبس فاسدا بفساد الأسس الأيديولوجية والتاريخية والوظيفية التي يقوم عليها..
بل هو يعاني مثل الشعب من فساد بعض أطرافه وأعضائه الفاسدين فقط..
وهذا التشخيص هو أكبر انحراف في توصيف العلاقة المفترضة بين الشعب والنظام في الأردن..
فلنكفَّ عن خداع أنفسنا والكذب على ذواتنا!!!!
مقالات اخرى للكاتب