بسم الله الرحمن الرحيم
(قَالَ يا بني لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ للإنسان عَدُوٌّ مُّبِينٌ)( يوسف 5}
الآية المباركة تبين إن الحقد والانتقام يمكن أن يكون بين الأقرباء ، بل حتى بين الأخوة ، سواء كانوا من صلب واحد أو أخوة وأخوات غير أشقاء ..لان الأخوة تكون بقسمين ، الأول :.. الأخت والأخ غير شقيق ، أي من أبوين احدهما مختلفين من الأم أو الأب بسبب موت أو طلاق ، أحداهما فيتزوج من أخرى فينجب أخاَ غير شقيق.. ومعنى كلمة شق .. أي الخرم الذي يقع في الشيء .. كشق القماش إلى نصفين .. والثاني :.. هو الشقيق : بمعنى من ظهر وبطن ... هؤلاء ايظا يمكن أن يختلفوا ويكونوا أعداء كما يحدثنا القران الكريم في قصة ولدي ادم {ع} فيحصل بينهما الحقد والعداوة ثم القتل ...
الآية الكريمة وان كانت تتحدث عن قضية تاريخية جرت لأبناء يعقوب {ع} عندما نقل يوسف{ع} لأبيه حلماً رآه في منامة .. وهو من مقدمات النبوة .. تقول الآية : (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبيه يَا أبت إني رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لي سَـاجِدِينَ)( يوسف 4) كان النبي يعقوب{ع} يعلم أنّ مثل هذه الرؤيا ليست رؤيا عادية ، وليست ومن إفرازات الخيال للأطفال..! بل هي علامة على مستقبل مشرق ينتظر ابنه يوسف، وانه سيكون ذا شان..! فقال له كما تتحدث الآية : أي إن هذا الغلام الله اجتباه وفضله على أخوته وأبناء جيله .. ولكن هل أنّ أخوة يوسف علموا بمضمون رؤيا يوسف، الّتي تتحدّث عن مستقبله ودوره في الحياة الاجتماعية والعقائدية ...؟؟ يعني لو وضح للأخوة الدليل بالاصطفاء والتفضيل بالنقل والعقل هل سيتبعونه أو لا سيحقدون عليه حتى لو فضله الله عليهم ...
* لم يكتب المؤرخون والمفسرون * عن هذه النقطة .. هل علم أخوة يوسف بنبوة أخيهم أم لا .. لا.. بالتأكيد لم يعلموا , ولكن الحوادث التي جرت ليوسف {ع} وكل هذه العداوة كانت بسبب التفضيل من قبل الأب ، ولهذا جاءت ردة الفعل في الحسد الذي اعتمر قلوبهم،لان الحسد جاء دون معرفة التفاصيل .
.هناك حادثة في الإسلام تشبه هذه النقطة كثيرا لان التاريخ يعيد نفسه في الحوادث مع تغير الشخصيات ، حين علم القوم بالعقل والنقل من النبي{ص} بتفضيل علي بن أبي طالب {ع} عليهم بعشرات الآيات والأحاديث التي أعلنها رسول الله{ص} ولكنهم قالوا صراحة " كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة " فجرى أمر قريش بالضد من أمر الله ولذلك أبعدوهم ...
على أيّة حال .. الأب كان يعلم انه إذا علم الأخوة بمضمون هذه الرؤيا فأنهم سيتحركون ضد أخيهم يوسف من موقع العداوة والخصومة والحسد ، ولهذا أصرّ عليه بكتمان الخبر عنهم وعدم البوح به..
جاء في بعض الروايات أنّ يعقوب , ومن فرط فرحه وسروره بهذه الرؤيا أخبر زوجته بذلك على أساس إنها تكتم الخبر، ولكن بما أنّ السر إذا تجاوز الاثنين فهو شائع ، بعد مدة انتشرت الحكاية , وعلم بها أخوة يوسف...!!! وجاء في رواية أخرى أنّ يوسف نفسه لم يستطع كتمان خبر هذه الرؤيا، ( تصوّر أن نهي أبيه هو نهي أرشادي تربوي لا نهي تحريمي) فعندما علم أخوته بخبر الرؤيا قالوا أنّ يوسف يطمح أن يكون ملكا علينا أو شيخا على أسرتنا ....
الرواية الثالثة :. لم يخبر يعقوب زوجته .. ولم يخبر يوسف أخوته .. ما كان الأخوة يعلمون أصلاّ بنبوته وهذا ما تؤكده الحوادث التي جرت بعد عملية القتل له ورميه في البئر ....السبب إنهم كانوا يرون تعامل أبيهم مع يوسف{ع} وسلوكه الّذي ينبئ عن عظيم حبّه له وخاصة انه كان بقية أمه راحيل الّتي ماتت وهو في طفولته. وهذا واضح من نص قراني .. يقول القران الكريم (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلاَل مُّبِين) ... وصلت حال الحقد أن يصفون أباهم بالضلال وهم يعلمون انه نبي ...!! والحال إنهم يعلمون انه ليس ضال ... ولكن الحقد بسبب حبه ليوسف {ع} جعلهم يتعدون على مقام النبوة ..وهذه ايظا جرت في الإسلام ، في قصة رزية الخميس حين وصفوا رسول الله {ص} بأنه يهجر...!!!
وبسبب حسدهم لأخيهم يوسف أصدروا حكمهم بضلالة أبيهم، وبعد ذلك صمّموا على قتل هذا الأخ من حياتهم وتصفيته ، أي يوسف، من طريقهم ليبقى لهم حبّ أبيهم ومودّته أو ليحب شخصا غير موجود وهو أهون الشرين .. وعقدت بينهم جلسات شيطانية يحيكون المؤامرة لإبعاد أخيهم .. قرروا ما يلي (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) وفعلا جاءوا به لتنفيذ عملية القتل ..وكما نعلم انه لم يتم لهم قتل أخيهم لأنه توسّط أحد الإخوة في ذلك وتم تبديل قرار القتل إلى صورة أخرى .. وهي إبعاده إلى أرض بعيدة ومنطقة نائية، بعدها تغيرت الحالة العائلية في بيت النبي يعقوب {ع} من الفرح بكثرة الأولاد إلى الحزن والبكاء ...أصبح هذا البعد ليوسف سببا للحزن فابيضّت عيناه من الحزن وصار أعمى من كثرة البكاء، أرادوا له الضرر والإبعاد .. ولكن إرادة الله أقوى ..على خلاف توقع الأخوة أصبحت جريمتهم مقدمة لينال يوسف مقام النبوة والسلطنة على بلاد مصر الّتي كانت تعتبر من أعظم البلدان في ذلك الزمان ... وكذلك لم يحظوا بحبّ أبيهم أيضاً.....
أجواء الآية تبين إن أمواج الشر الخطيرة للحسد قوية وعظيمة إلى درجة أنّها دفعت الأخوة إلى قتل أخيهم وتسبّبت في أن يحملوا أوزاراً كبيرة أخرى... منها الكذب على أبيهم حتى أصبحوا أمثولة سيئة في التاريخ للحقد والشر والحسد ورموا الجريمة على ذئب هو لا يرتقي إلى شر الإنسان ولا خططه الجهنمية .. والأخرى كتمان الجريمة المروعة ورميها على الآخرين ، فأصبح موضوع التنصل من الجرائم يتحملها الجانب الذي لا يملك الدليل ببراءته ، ويحظى المجرم الحقيقي بالحرية كما يجري في سوح المحاكم الآن ، والمصيبة الكبرى * إن المجرمين تنفذ كلمتهم ردحا من الزمن* كما نسب أخوة يوسف إلى أبيهم انه ضال ويحمل عقليه ناقصة ... ولا يستبعد إنهم قالوا يهجر..!! وجرت اهانة نبي من الأنبياء بسبب الحسد والطمع..
ـــــــــــــ> هذه القضية الاجتماعية تجعلني ابحث في أسباب الحقد والعداوة بين الشعوب والأمم، هل الحسد والطمع هما سبب العداوة بين العرب وإسرائيل مثلا..؟؟؟ أو بين المسلمين والتكفيريين حسد وعداوة ..؟ في معالجات القران صور متعددة لحالات الحسد وتشخيصها ... مثلا اليهود تشير البداية إلى قصتهم وعادتهم الذميمة، هؤلاء ليس بيننا وبينهم عداوة بالأصل ، ولم تكن عندنا قضية موجهه ضدهم من قبل الإسلام ..ولكن استقراء التاريخ يقول أنّ طائفة كبيرة من بني إسرائيل قرؤوا علامات النبي محمد {ص} في آخر الزمان ومنطقة ظهوره في الحجاز . وانه يؤسس دولته في المدينة .. فرحلوا من (الشامات) إلى (المدينة) ليحظوا بصحبة ذلك النبي ويؤمنوا به، ولذلك كانوا ينتظرونه دائماً.وهذا ما تقوله كتبهم، وحينما ظهر النبي {ص}تراجعوا وتنكروا لعقيدتهم وفكرهم ..كثير منهم لم يبقوا على عهدهم والتزامهم المسبق بحمايته ونصرته والإيمان به، بل أصبحوا في صف المخالفين المحاربين لدعوته، والسبب الأهم في كل ذلك هو عنصر «الحسد».
النقطة الثانية :..هو إنهم توهموا من وقوع منافعهم ومصالحهم في الخطر. القرآن الكريم يتحدّث لنا عن هذه الحالة لليهود فيقول (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآءَاتَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ا لْكِتَابَ وَا لْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيًما) ... يتبين من هذه الآية أن يملك آل إبراهيم والّذين كان اليهود من ذريتهم وأن تكون لهم النبوة والعلم، ولكن المشيئة الإلهية قررت في زمان لاحق أن تتعلق النبوة والعلم بمحمّد وآله الطاهرين . وكلّ ذلك وفقاً للمصالح الّتي تتعلق بها المشيئة الإلهية، فهل أنّ اليهود كانوا يقبلون أن يحسدهم الناس على ما آتاهم الله من فضله فتحول الحسد إلى عداوة وأصبحت الحركة الصهيونية جزء من ذلك التوجه....
إذن فلماذا استعرت في قلوبهم نيران الحسد عندما يرون أنّ نعمة الله قد صارت من نصيب آخرين وبذلك تحركوا في خط الباطل.هذه النقطة الأولى للحسد والعداوة بين اليهود والمسلمين ...
نقطة ثالثة :...هناك آية تتحدّث عن طائفة من أهل الكتاب الّذين يتعاملون مع المسلمين من موقع الحسد، والظاهر إنها خاصة باليهود ..تقول (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ا لْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَاتَبَيَّنَ لَهُمُ ا لْحَقُّ} إن الحسد قد يصل بالإنسان إلى درجة أن لا ينحصر تأثيره في الأمور المادية مورد التنازع بين الناس عادة مثل البيع والشراء والجاه والمنصب والأمور المادية الدنيوية ... بل يتعداه إلى الجانب العقائدية ...وقد ذكر بعض المفسّرين أنّ جملة «حَسَداً مِنْ عِنْدِ أنفسهم» إشارة إلى عامل الحسد والغيرة ومراقبة الآخرين في نجاحهم ، سبب ذلك لان الحسد متجذر في باطنهم وهذا أساسه يتفرع من جهلهم وعدم اطلاعهم على حقائق الأمور ... بل حتّى لو تبين لهم الحقيقة يسلكون هذا المسلك المنحرف كما تقول الآية بعد ذلك «مِّن بَعْدِ مَاتَبَيَّنَ لَهُمُ ا لْحَقُّ».
اذكر لك قصة ..كنت اقرأ مجلس في احد المساجد وتعرضت لموضوع شرب السيكارة في شهر رمضان لأحد المراجع ، وذكرت مرجعين ممن له نفس الموقف حول دخان السيكارة ، وبعد نزولي من المنبر جاءني رجل كبير السن وكان يرتعد من الحسد والغيظ وسألني ... أنت ذكرت رأي فلان وقلت انه يقول بشرب السيكارة في حالات خاصة ، هل تعتبر هذا مرجع ..؟؟ قلت ومن أكون أنا حتى اعتبره أو لا اعتبره مرجع ... فرد بعصبية قائلا أنا لا اعترف به مرجعا ، بل هو ليس عالما .. قلت له وأنت من تكون حتى تعترف أو ما تعترف ..؟؟!!
القرآن الكريم يخاطب المسلمين أن يتركوا هؤلاء الحسّاد لحالهم (لأن نار الحسد المستعرة في قلوبهم )
الزمان سوف يُثبت إن العذاب الإلهي سوف يُحيط بهؤلاء المنحرفين والظالمين إما في الدنيا بواسطة الإمام المهدي المنتظر {عج} جيش الحقّ فيعذبهم الله ويريهم جزاء مؤامراتهم الخبيثة وممارساتهم المنحرفة تجاه أصحاب الحقّ، وحتما سيذيقهم العذاب في الآخرة..... وعلى أيّة حال هذه الآية تشير إلى المسلمين الّذين اعتنقوا الإسلام حديثاً عليهم أن لا يستسلموا لأفكار اليهود وغيرهم من المنحرفين خاصة في زماننا هذا حيث نزلت نظريات يهودية مرة باسم العمال والفلاحين وأخرى قومية وغيرها ماسونية وأخرى سلفية ...لأنهم قوى الضلال ينطلقون في تعاملهم مع المسلمين من موقع الحسد ولا يريدون لهم الخير وهذه قضية فلسطين والمسجد الأقصى واضحة للعيان تبين عداوة اليهود للإسلام ...
القسم الثاني من الحسد الذي يؤثر على الإنسان بأسباب لا يعلمها إلا الله وهذه ظاهرة شائعة :، وتسمى "تمني إزالة نعمة الغير " وقد عالج القران هذه الحالة في سورتين ..الأولى الفلق ، والثانية الناس ..(وَمِن شَرِّ حَاسِد إِذَا حَسَدَ)... وفي بداية هذه السورة تخاطب النبي بالقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ا لْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ)..
تنقسم المخلوقات الشريرة إلى ثلاثة أقسام وهي تحدد عوامل الشر في العالم هي هذه الأمور الثلاثة :
الأوّل : المخلوقات الشريرة الّتي تستغل ظلمة الليل وتهجم على الإنسان في حال نومه ويقظته، والتعبير بكلمة (غاسق) (ويعني الموجود الشرير الّذي يهجم في الليل) وذلك لأن الحيوانات الوحشية والحشرات المؤذية تخرج ليلاً من جحورها بل إنّ الأشخاص من أهل الشرّ والخبث والدناءة يستغلّون ظلمة الليل غالباً للوصول إلى مقاصدهم الشريرة.... يقول بعض المفسرين كلمة الغسق ليس الظلام ليلا ... بل هو معنى واسع يشمل كلّ أنواع الجهل والغفلة ... هذه القضية تحتاج إلى مراجعة طويلة ، لان الجن بعد وفاة النبي سليمان {ع} كتبوا أدعية لا يعرفها الناس " يقول السيد السبزواري رحمه الله ، اعتقد إنها أدعية خاصة بهم تستحضرهم مثل دعدائيل وأمثالها ، فحينما يقرأ المبتدأ تلك الكلمات والكتب فانه يستحضر تلك المخلوقات الخبيثة .. وبما انه غافل ولا استعداد له فأنها تتلبس فيه ويصبح من ضحاياها..ولذلك تصاب اغلب النساء بسبب إيمانهم بالعرافة حيث تذهب لعمل سحر فتصاب بداء السحر ويتعلق بها ..
الآية الكريمة تشير إلى ذلك الأشرار الّذين ينفخون في العقد، وهو تعبير يشير إلى النساء اللواتي يسلكن طريق الانحراف كما هو حال الساحرات الّذين يقرأن بعض الأوراد والخرافات في حال عملية السحر ثمّ ينفخن في العُقد ويقرأن على البسطاء والسذّج من الناس مطالب وكلمات غير مفهومة، وبهذه الوساوس يسعين إلى أيجاد عنصر الخذلان في إرادتهم ويجرّونهم إلى حال الترديد والتشكيك، فعندما تضعف الإرادة في الإنسان يتسنّى حينئذ لجيش الشيطان أن يهجم ويتسلط عليه. في هذا المجتمع يعشعش الحسد والغل والعداوة خاصة بين الرجال والنساء اللاتي يتعاطين أعمال السحر، فلا تذهب إلى العراف إلا لغاية حسد وعداوة...
لماذا يعادي الإنسان أخاه الإنسان ..؟؟ ولماذا يمارس العدوان ضده ...؟ هذه عادة قديمة جرت في الحياة ضمن أول عائلة بشرية ليس على الأرض غيرها، هي عائلة ادم {ع} حين اشتعلت الغيرة والحسد والعداوة بين ولدي ادم قابيل وهابيل ، دفعه الحسد والعداوة إلى قتل أخيه ...كما جرت القصة بين ولد يعقوب {ع} ... ثم رافقت هذه العادة الناس إلى يومنا هذا ، فلا تخلوا مسافة زمنية ولا مدينة وربما لا يخلوا بيت من عداوة تبدأ بالحسد وتكبر إلى القتل ... يقول علماء الأخلاق إن الحيوان أكثر بطشا من الحيوان توحشا وقسوة .. لان الحيوانات لا تقتل بني جنسها مطلقا حتى لو كانت جائعة ... مثلا الأسد لا يفترس أسداَ مثله .. حتى الكلاب لا تأكل الجراء الصغيرة من جنسها ، إلا إن الإنسان يقتل أخاه الإنسان ... ويتعدى ذلك أن يشق بطنه ويخرج كبده ويأكله تشفيا منه ، أو يحفر قبر صحابي مضى على شهادته 1400 سنة ..!! ولذلك أصبحت معاناة الإنسان تحديدا من أخيه الإنسان وليس شيء سواه ...
العداوة بين الأوس والخزرج :..
لا تختلف العداوة القائمة بين الأوس والخزرج عن العداوة التي تقع بين عشائرنا الآن .... أول فتنة وقعت بينهم تسمى «حرب سمير» وذلك أن رجلا حليفا للخزرج يقال له كعب تفاخر على الأوس بشيء فغضب منهم رجل يقال له: سمير، وشتمه ثم رصده وخلا به فقتله ...فغضب شيخ الأوس وطلب الرجل من عشيرته فأنكروا معرفته وعرضوا عليه الدية..! فقبلها فأرسلوا إليه نصف دية، لأن الرجل حليف لا نسيب فأبى إلا دية كاملة فامتنعوا وتطورت الحوادث على أثرها ، حتى انتهت إلى حرب عشائرية عامة في المدينة ،فاقتتلوا مرتين كانت النصرة في الثانية للأوس فلما افترقوا أرسلت الأوس إلى شيخ الأوس أن يحكم بيننا المنذر بن حرام ،وهو جد حسان بن ثابت فأجابهم إلى ذلك فحكم بأن يؤدي الأوس إلى الخزرج دية الصريح ثم يعودون إلى سنتهم القديمة فرضوا بذلك وافترقوا وقد شبت البغضاء في قلوبهم وتمكنت العداوة بين القبيلتين....
هذه القضية متجذرة بسبب وضعي في عداوة قائمة بين الإنسان والشيطان والحية التي أزلت ادم وأخرجته من الجنة ... يقول تعالى :{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} قال الإمام الباقر {ع} :هذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية. يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ..وهناك روايات لبعض المفسرين من المذاهب الإسلامية عن ابن وكيع قال،عن إسماعيل بن سالم, عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: آدم، وحواء، والحية. دون ذكر الشيطان ..وقوله: (ولكم في الأرض مستقر} يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش ويعني والأرض فراشا ..
قال أبو جعفر الباقر{ع}الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض, وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه, ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم, بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا, لهم فيها مستقر في حياتهم وبعد وفاتهم في بطنها, ...
عداوات الأقارب :... اقرب الناس للإنسان أرحامه أولا , ثم أقربائه ..ويفترض أن تكون وثيقة متينة ، باعتبار الجينات الوراثية التي اكتسبها الإنسان من الرحم والصلب هب جهة واحدة ، هي علاقة لحم ودم ، إضافة لطول الصحبة والعيشة في أحضان عائلة واحدة وطعام واحد ، ثم العائلة هي الحضن التي يلوذ فيها الإنسان في حال عواصف الزمن ... هذه العائلة مع الأسف بعضها تعصف بها الحسد والعداوة والكره تصل بالبعض إلى حد القطيعة ... هناك أسباب عديدة منها ...
1 – تظهر اغلب حالات الحسد بعد زواج الأخوة والأخوات .. وهذا يكون من جهة النساء غالبا ، وبسبب التفاوت المعاشي تشتغل الغيرة عند بعض النساء او الرجال فتبدأ الغيرة تتطور إلى حسد ، ويظهر هذا في كلام أحداهم فيبدأ الجفاء بينهم ويتطور إلى عداوة ...
2- الجانب الاجتماعي والوظيفي :... خاصة في حال قلة مورد احدهم ، وزيادة الأخر ، هذه تحرك الغيرة والحسد عند الكبار وتنتقل إلى الأبناء حتى تصل أحيانا القطيعة بينهم إلى حد فظيع ...
3- سلوك الأبوين تجاه الأبناء :... وقصة يوسف وأخوته المذكورة في القران خير دليل على ان الحسد والعداوة يمكن أن يكون الأبوان سببا فيها ... أليك التفصيل ....
يتفاوت الأبناء والبنات في كل أسرة في مستوياتهم من عدة نواح؛ في الشكل يختلف، بالإضافة إلى الطباع، والمستوى الدراسي. وقد يكون هذا التفاوت سبباً أحياناً لتغير تعامل الوالدين من ابن إلى آخر أو بنت إلى أخرى. وأحياناًً هذا الاختلاف في التعامل لا يكون وفق التفوق أو التقدم على الإخوان،غالباً ما تكون عواقبه وخيمة على الأولاد سواء على المدى القريب أو البعيد. واخطر حالات تسمم أفكار الأطفال ..الأب أو الأم التي تقارن بين أبناءها وبين المتفوقين ... بدلا من التشجيع والتطوير تأخذ كلاما يقرع قلوب الطفل ...هناك من يشجع ـ بإسهاب ـ الأبناء المتفوقين أو الهادئين والمنظمين في البيت ويعقد المقارنات المدمرة بين الإخوة والأخوات، خاصة في المستوى الدراسي أو المستويات الدراسية. وأياً كانت نوعية المقارنات وما يترتب عليها من تفرقة واضحة فهي خاطئة حتماً، ومؤشر خطير لسلوكيات مستقبلية قد لا يدرك الوالدان مدى خطورتها في وقتها ..
النقطة الأخرى يجب أن لا يفرق الآباء في العطية لأولادهم، فقد ورد حديث عن رسول الله {ص} أن جاءه بشير الأنصاري أبو النعمان الأنصاري جاء بولده الذي اقتطعه أرضا لأنه ابن الزوجة الأخيرة ويريد أن يشهد رسول الله للطفل بمنحة الأرض .. فقال{ص} لبشير : "يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال نعم فقال : أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال لا فقال : فلا تشهدني على جور ... او قال لا اشهد على جور ..إذاً فإني لا أشهد على جور". وفي رواية أنه قال له: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال بلى قال: فلا إذا برهم فيبروك". أكبر المآسي التي تنتج الحسد التفرقة بين لأبناء سوء العلاقات بين الإخوة أنفسهم التي قد تتعدى مراحل العمر المبكرة إلى ما بعدها، يكونوا مشروع خصام وحسد وعداوة بسبب الأبوين...........................
إذن كيف نعالج مشكلة الحسد والعداوة بيني وبين أهلي وبين الناس ...؟؟؟:... الإنسان بفطرته يعرف إن التعاليم الدينية تدعو للتالف والمحبة ، وهذا منطق أنساني قبل أن يكون إسلامي ،ولكن الإسلام كيف يعالج هذه الظاهرة .. القضية لا تكون معروفة إلا عند أصحاب العقول الكبيرة الواسعة التي تسع الآخرين ، وليس القلوب المنغلقة المملوءة حسدا ورها للناس ....يقول الرسول {ص} " خياركم أحسنكم أخلاقا ، الذين يألفون ويؤلفون " ويقول {ص} " أقربكم مني إذا أحسنكم خلقا وأقربكم من الناس ""
أما العداوة فإنها توحي وجود خلل في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، فبدلا من أن يأنس الأخ بصديقه وأخيه ويتعاونان في تسيير شؤون حياتهم تحصل حالة التباعد .. ثم الجفاء وتصبح الكراهية بدلا من المحبة وكان رسول الله {ص} يقول "" ما جاءني جبرائيل إلا وقال لي يا محمد تجنب شحناء الرجال وعداوتهم " وكان يقول :" إن جبرائيل ينهاني عن ملاحاة الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الأوثان ".. وملاحاة الرجال تأتي من الحسد وزلات اللسان ....
ورد في الحديث الشريف عن رسول الله {ص} أنّه قال : «اَلْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ»والحسد باب كل عداوة ....قصص الحسد ..نشر في احد المواقع عن امرأة تروي لنا قصتها مع الحسد وتقول رزقني الله بثمانية أولاد وبنت واحده ...وكنت دائما أسمع تهامس النساء على إنجابي للذكور ولكني لم أهتم وذات مره ذهبت إلى عرس بصحبة أبنتي الوحيدة ..جلست في مكان مكشوف وسمعت بإذني أمراه تقول (هذه السيدة لاتنجب إلا الذكور وقد رزقها الله بثمانية أولاد ولم تنجب أبنه سوى التي معها ) في لحظتها شعرت بالم في بطني .. بل تحديدا في رحمي ، كان ألما بسيطا لم أشتك من ألم من قبل مثله ..فقلت لنفسي لعله من البرد ،وعندما عدت للمنزل زاد الألم بشكل لا يتحمله بشر ..وظننت أنه نوع من السحر وذهبت لأحد المشعوذين فأخذ يصف لي وصفات غريبه ويعطيني أوراق وحجابات ، حتى مللت وبدون فائدة واستمرت الآلام وتركت هذا المشعوذ وذهبت لأحد الذين يقرؤون بالقرآن ، أكد لي بأني (محسودة)!!! ونصحني بزيارة الطبيب لأن هناك شيئا لم يفهمه!!! وذهبت بالفعل وأجريت التحاليل اللازمة ..ورأيت وجه الطبيب عابس وبعد تردد قال لي : معك سرطــــــــان الرحم ّّّّّّّّ..وما زلت أعالج بالكيماوي واحتمال تتجه لاستئصال الرحم ....هذا هو الشر الذي نستعيذ منه بالقران ..وهناك مئات القصص للحسد وضر العين ...يقول علي{ع} : «اَلْحَسَدُ شَرُّ الأمراض» طبقاً لهذا الحديث ليس هناك من الأمراض الأخلاقية أسوء وأشر من الحسد....عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً أنّه قال : عندما كان موسى بن عمران يناجي الله عزّوجلّ إذ نظر إلى رجل في ظلّ العرش، فقال : «يَا رَبِّ مَنْ هَذَا الّذي قَدْ اَظَلَّهُ عَرْشُك» فقال : «يَا مُوسَى هَذَا مِمَّنْ لَمْ يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ».يقول الصادق{ع} «إن الْمُؤْمِنَ يَغْبُطُ وَلاَ يَحْسُدُ، وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ وَلاَ يَغْبُطُ»...
ـــــــــــ> هل العداوة سببها الحسد فقط بين الأهل والأقرباء والجيران أو هناك أمور أخرى تؤدي للعداوة والتناحر بين الأخوة والأصدقاء وتحولهم إلى أعداء .... أهم نقطة هي الغيبة ...
معنى الغيبة وهي ذكرك أخاك في الإسلام بما يكره وقد نهى الله سبحانه عنها بأسلوب خاص لم يستعمله في غيرها من المحرمات وذلك بقوله تعالى : ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) فقد شبه الله المذكور بالغيبة حالة غيبته ـ بالميت لعدم إحساسه حال غيابه بما يذكر به من السوء كما لا يحس الميت بالألم إذا قطع من جسمه جزء فيه حياة ......والغيبة من اخطر المحرمات واكبر الكبائر ولذلك أكد الشرع المقدس تحريمها على مرتكبها كما حرم على الآخرين الاستماع أليها مع الرضا بها والسكوت عما يجب على المستمع القيام به من نهي مرتكبها وردعه عنها ..
لأن الغيبة من أوضح "مصاديق المنكر" الذي اوجب الله سبحانه النهي عنه... وهي مقابل تماما الأمر بالمعروف الواجب ـ إذا توفرت شروط الأمر بالمعروف ولم يكن هناك عذر شرعي يمنع به ... أما في تحريم الاستماع أليها مع عدم النهي عنها هو إن ذلك يشجع الباطل بالغيبة على ممارستها باستمرار عندما يجد أذنا مصغية له وراضية بما يقوم به من أكل لحم المؤمن البريء ....
وهناك مشكلة أخرى عند السامع للغيبة لا تقتصر على ارتكاب حرمة السكوت والرضا بالغيبة بل يضم إلى ذلك جريمة أخرى وهي النميمة بنقل الغيبة عن لسان الناطق بها إلى من ذكر بها ليكون بذلك مسببا للعداوة ... لذلك اعتبرها القران فتنة وهي اشد من القتل لأنها تسمم الأفكار وتقضي على شخصية الناقل بل تعتبره تافه لا قيمة له ..فاعتبرها القرآن الكريم اكبر من القتل واشد منه ... يقال إن رجل نال من الحسن البصري غيبة ، فوصل الخبر إلى الحسن البصري ، فجاء في اليوم الثاني وهو يحمل إناء فيه رطب وقدمه للمستغيب قائلا له : هذه هديتي أليك لأنك ذكرت غيبتي ، فسكت الرجل وقال تهديني رطبا..؟ قال نعم لأنك أهديتني خير أعمالك لو كانت عندك أعمال، وأخذت عني جميع ذنوبي, فكيف أكافئك إلا بهدية مثل الرطب ...
ومن أسباب العداوة الاستهزاء والسخرية والسباب والتنابز بالألقاب والتجسس والكذب وشهادة الزور والاخلاف بالوعد لذلك قيل : « وعد بلا وفاء عداوة بلا سبب » وقد ورد النهي عن هذه الأمور لأنها مبغوضة ومؤدية للعداوة والشحناء التي تسبب الكثير من الأضرار الخطيرة في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة .
وهناك عوامل أخرى منها:
1- رؤية ذلِّ النَّفس: عندما يعجز الإنسان من الوصول إلى المراتب السامية، فيشعر في نفسه بعقدة الحقارة والدونية فيتمنى زوال النعمة عن غيره حصل عليها أم لا. وذليل النفس لا يتوانى عمل أي شيْ في سبيل ان يعالج هذا المرض ولكن الذلة تترسخ بعمله يوما بعد يوم ... لذلك يقول الحسين {ع} يوم عاشوراء " الا ان الدعي ابن العي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة " يعني بين الموت والذلة ، فالموت بكرامة افضل من العيش بذلة ..
2 - الكبر والغرور: عندما يرى المتكبّر أن غيره يتمتع بنعم أكثر منه، فإنّه يتمنَّى زوالها بل ويسعى في إزالتها لكي يحرز تفوقه وتقدمه عليه....هناك أطفال يبيعون مواد في توقف السيارات ، كانت بنت عمرها 10 سنوات صغيرة تبيع علك، نادى عليها احد السواق بسيارة فارهة ، سألها بكم تبيعين علبة العلك .. قالت 250 دينار .. فأعطاها وحين سلمته العلك قال ، هذه هدية لك أنا لست بحاجتها ... فنظرت له البنت وأخرجت المبلغ من جيبها وأعادتها له وقالت أنا أأكل بتعبي وليس بالتسول وطلب مما في أيدي الناس ...
3- بذاءة اللسان وحب الظهور بين الناس بشخصية إنسانية متعالية بواسطة لسانه ... جاء في قال في الآداب الكبرى عن النبي {ص} :" ويجب كف يده وفمه وفرجه وبقية أعضائه عما يحرم" قال أبو الدرداء إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم ...ومتى قدرت أن لا يظهر موافقتهم لم يجز له ذلك ،،،وهذا يجب ان لا يتوافق على محرم بعمل او قول، وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة ، يقول رسول الله {ص} "إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه } . التودد إلى الناس مطلوب شرعا مستحسن طبعا . قال تعالى { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } وقال { ادفع بالتي هي أحسن } . يقول الرسول{ص}{ مداراة الناس صدقة }{ أمرت بمداراة الناس كما أمرت بتأدية الفرائض } ..
وأعظم عداوة لا زالت تستعر منذ قيامها لحد اليوم هي التي وقعت بين هاشم وأمية ... بداية العداوة بين هاشم وأمية يذكرها ابن الأثير ...قال ابن الأثير وغيره :البداية كانت بسبب حسد أمية بن عبد شمس لعمه هاشم صاحب الشخصية الرائعة ...حسده على رئاسته وإطعامه , فأراد أن يكون مثله فتكلّف أمية أنْ يصنع صنيع هاشم فعجز عنه , فشمتت به ناس من قريش , فغضب ونال من هاشم ، وصار يشتمه ويتكلم في نوادي مكة ضده وضد أبناء عمومته ... وتطورت الأمور أن أرسل إلى هاشم ودعاه إلى المنافرة ( أي : المخاصمة ) عند مَن يحكم بينهما أيّهما أكرم وأفضل , فكره هاشم ذلك ؛ لسنّه وقدره , فكان ذلك عند أمية انتصار , وأصبح يتعدى بالسب والشتم على هاشم ، ويتفاخر انه يخاف ان يخاصمه .. فلم تدعه قريش حتّى نافره على خمسين ناقة ويقال مائة تذبح ويأكلها الناس وزوار البيت ويتحملها الخاسر ... والشرط الثاني هو الجلاء عن مكّة عشر سنين ، فرضي أمية وجعلا حكما بينهما هو الكاهن الخُزاعي ، ومنزله بعسفان . فذهبوا أليه وأقنعوه بالحكم بينهما ، فلما حضر الكاهن الخزاعي قال :.{ والقمرِ الباهر ، والكوكبِ الزّاهر ، والغَمام الماطرِ , وما بالجوِّ من طائر } لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر أوّل منه وآخر . فقضى لهاشم بالغلبة ، وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها . وغاب أمية عن مكّة بالشّام عشر سنين مبعودا ذليلا لم يتمكن ان يقص قصته حتى على اهل الشام ...
كانت هذه أوّل عداوة وقعت بين هاشم وأمية , واستمرت بين البيتين رغم إنها لم يكن لها سبب إلاّ الحسد ,ولما انتهت السنون العشرة رجع أبناء أمية إلى مكة ولكن قلوبهم كالجمرة المتقدة من بني هاشم ..
فلما جاء الإسلام كان أعدى الأعداء لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبو سفيان ـ صخر بن حرب بن أمية ـ وعشيرته , وموقفه وزوجته معروف فترة البعثة وبعدها ..في المدينة .. فحاربوه يوم بدر ، ولم يحضرها أبو سفيان , ولكن حضر أبناءه ، لأنه كان على رأس قافلة أهل مكة ولكن قُتل ابنه حنظلة واُسر ابنه عمرو ، وهرب ابنه معاوية على رجليه حتّى ورمتا . وبعدها استمرت العداوة ...
جيّش أبو سفيان الجيوش على رسول الله {ص} يوم اُحد ؛ انتقاماً من يوم بدر , فقُتل عمّه الحمزة , اغتاله وحشي بحربة بتحريض هند زوجة أبي سُفيان عليه , وبقرت عن كبد حمزة ولاكتها , فلم تستطع أنْ تسيغها فلفظتها , وسُمّيت من ذلك اليوم : آكلة الأكباد ، وسُمّي أبنائها : ابن آكلة الأكباد . واستمرت الحرب بكل ضراوة كلفت المسلمين رجالا ودماء وأموالا...وعاد أبو سفيان يوظف أمواله ومنصبه الاجتماعي لحرب الرسول فجيش الجيوش والأحلاف على رسول الله {ص} يوم الخندق , ولكنه لم يحقق أي نصر , وانهزم جيشه الذي قطع مئات الكيلو مترات ورجع خاسئا إلى مكة بعد أن جندل علي ابن أبي طالب قائدهم ورأس حربتهم عمر بن ود العامري ... فردّه الله بغيظه لم ينل خيراً , ثمّ أسلم يوم الفتح كُرهاً وخوفاً بعد أن أصبح السيف في حد رقبته ولا مناص له من الموت إلا الإسلام ...
, ثمّ قام ابنه معاوية بن أبي سفيان من بعده ، فشقّ عصا المسلمين وأثار حرب صفّين وفرّق كلمة الإسلام حين خصص عدد من وعاظ السلاطين في تزوير الأحاديث ، فاحدث اكبر شرخ ثقافي في العالم الإسلامي حين كتب تاريخا مزيفا قلب فيه الحقائق وبدل الأحكام ... وتاريخنا الذي نلعق جراحنا فيه هو تاريخ معاوية ...
ثمّ قام ابنه يزيد فجيّش الجيوش على ابن بنت رسول الله {ص} الحسين بن علي (عليهما السلام) , ومنعه الذّهاب في بلاد الله العريضة حتّى قتله وأهل بيته وأنصاره عطشان ظامياً في كربلاء في معركة فقدت كل مقومات الإنسانية والشرف ، قتلوا النساء والأطفال ، وحرقوا الخيام ، وقطعوا الرؤوس الطاهرة وحملوها إلى الكوفة ثم إلى الشام , وحمل رأس سيد شباب أهل الجنة ، ورؤوس أهل بيته وأنصاره من بلد إلى بلد ،وحمل نساءه وأطفاله سبايا حتّى وردوا عليه الشّام . فكانت سلسلة فجائع محزنة ، وفظائع مخزية ، سببها حسد بني أمية لهاشم على ما منحه الله من فضل . هكذا توارث الحسد في بني أمية لبني هاشم ...ولا زال الحقد ينتقل بين الأجيال من جيل إلى جيل ، وما يقوم به أتباع بني أمية اليوم من قتل وتفجير وتكفير لشيعة أهل البيت {ع} ما هو إلا امتداد لذلك الحسد والحقد الأسود الذي اعتمر قلب أمية لهاشم .....