بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كـــرام
احببت ان ابدأ كلامي بهذا البيت من الشعر لأنها تلهمني الصبر والسلوان .
لا يخفى على احد هذه الايام كثرة العراقيين الطالبين للجوء في بلاد الغربة وخصوصاً اوروبا فما نسمع به تعدى كارثة كبرى تهدف الى افراغ البلد من مكوناته ومن شعبه الذي عاش وتربى على هذه الارض منذ الاف السنين فنحن شعبٌ عريق تضرب جذوره في اعماق التاريخ شعبٌ علم الانسانية الكتابة وبنى اولى الحضارات على وجه البرية ويعود الفضل اليه بسن اول القوانين الوضعية التي اتبعها شعوب العالم باسره.
شهدنا اليوم تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نص رسالة قالوا بانهم وجدوها في جيب احد اللاجئين العراقيين الذين انتشلوا جثثهم بعد غرق مركبهم الذي كان يضم عشرات المهاجرين غير الشرعيين في البحر الابيض المتوسط تحمل هذه الرسالة عبارات مؤثرة من قبيل الهدية الى العالم المتحضر هذا الشاب الذي هرب من الموت فاحتضنه البحر .
كتب هذا العراقي اللاجئ مخاطباً امه واهله و وطنه معاتباً ومعتذراً بنفس الوقت وهذا نص الرسالة .
” انا اسف يا امي لان السفينة غرقت بنا ولم استطع الوصول الى هناك ( يقصد اوروبا ) كما لم اتمكن من ارسال المبالغ التي استدنتها لكي ادفع تكاليف الرحلة حيث يتراوح اجر الرحلة للوصول الى اوروبا بطريقة غير شرعية ما بين الف الى خمسة الاف يورو بحسب دولة الانطلاق وعوامل اخرى.
لا تحزني يا امي ان لم تجدوا جثتي انا اسف يا امي كان لابد لي ان اسافر كغيري من البشر مع العلم ان احلامي لم تكن كبيرة كالأخرين كما تعلمين كل احلامي كانت بحجم علبة دواء للقولون لك وثمن تصليح اسنانك.
انا اسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم كوخاً خشبياً جميلاً كما نشاهده في الافلام كوخاً فقيراً بعيداً عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران .
انا اسف يا اخي لأنني لن استطيع ان ارسل الخمسين يورو التي وعدتك بأرسالها لك شهرياً لترفه بها عن نفسك .
انا اسف يا اختي لأنني لن ارسل لك الهاتف الحديث الذي يحتوي على الوايف اي اسوة بصديقاتك ميسورات الحال.
انا اسف يا منزلي الجميل لأنني لن اعلق معطفي خلف الباب .
انا اسف ايها الغواصون والباحثون عن المفقودين لأنني لا اعرف اسم البحر الذي غرقت به .
اطمئني يا دائرة اللجوء فانا لن اكون حملاً ثقيلاً عليك .
شكراً ايها البحر الذي استقبلنا بدون فيزا او جواز سفر شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني او انتمائي السياسي .
شكراً للقنوات الاخبارية التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق وعلى مدار يومين .
شكراً لأنكم ستحزنون علينا عندما تسمعون الخبر.
انا اسف لأنني غرقت ؟!.
كانت هذه رسالة لاجئ تعرض للغرق والموت في طريقه الى ارض الغربة حيث لا يعرف فيها وجه احد ولا يستطيع الكلام مع احد لاختلاف اللغة وقد يحتاج الى شهور عدة لكي يتمكن من التواصل بمفرده مع الاخرين لاختلاف العادات والتقاليد هذا الشاب الذي بحث عن وجه امه في امواج البحر الهائج الذي كان يلتم سفينتهم كالهشيم في النار ويتقاذف جثثهم ككرة بين مضربين ليعتذر لها لأنه خيب ضنها فقد ارادته ذخراً لها في ايام مشيبها وان يصبح عصاها التي تتكئ بها وان يعينها على مصاعب الحياة وغدر الزمان.
فحب الوطن شيء اخر عندما تتراجع كل القيم ينهض هو فينا كمرض لذيذ يصعب مقاومته فلا تهجروا ارضكم وامهاتكم، وانهضوا لتغيير واقعكم بأيديكم فالعراق يحتاج لسواعد ابناءه الغيارى كي ينهض من جديد فلا تتركوه فهو امانة في اعناقكم.
مقالات اخرى للكاتب