لأول مرة أشاهد برنامجا اقتصاديا شدني في قناة العراقية وقد أداره الزميل ضياء الناصري مساء السبت 19 ايلول، وضيف فيه كل من الخبير الاقتصادي المعروف ماجد الصوري وعضو اللجنة المالية البرلمانية هيثم الجبوري ،ونواب من التحالف الكردستاني ، وإحتوى البرنامج المتكامل على أفكار جميلة ويتناول موضوعا غاية في الأهمية بشأن الخطط الاقتصادية والموازنات السنوية التي تفتقر الى أي أساس لوجود منهج إقتصادي حتى في حدوده الدنيا..وأدرج أهم ملاحظاتي عما ورد في حديث الجبوري والصوري في البرنامج من ملاحظات وتوجهات غاية في الأهمية :
1. كشف عضو اللجنة المالية هيثم الجبوري عن خفايا كثيرة وخطيرة ، يجري اعتمادها عند اعداد الموازنات منذ أعوام مضت، وكأن موازنة عام 2015 هي نفسها موازنة العراق قبل ثلاثة أعوام ، إذ لاتبدو أية فروقات من حيث تخصيصات الموازنة التشغيلية للموزانة الحالية بالرغم من ان سعر برميل النفط هذا العام هو أقل من 45 دولارا ، في حين كان سعر برميل النفط قبل ثلاثة اعوام يصل الى 120 دولار ، وتم إدراج ارقام مشابهة لتلك الموازنات وبدون أي تخفيض في حجم الانفاق والموازنات التشغيلية ، وما تم اعداده من موازنات ، حسب النائب هيثم الجبوري ، تمت قبل سنتين أو ثلاث سنوات، وتم استخدام مبدأ ( الاستنساخ ) للموازنات السابقة بل انه حتى الاخطاء الإملائية التي وردت في موازنة عام 2013 هي نفسها تم اعادتها من جديد في موازنة عام 2015 وبنفس ارقام الموازنات السابقة، في وقت يجري الحديث عن ( اصلاحات ) تحدث عنها العبادي في مناسبات كثيرة وما تم ادراجه في الموازنة الحالية لايكشف لنا أي تخفيض فعلي في حجم الانفاق المفترض للعام الحالي.
2. كشف النائب هيثم الجبوري ان حجم ما تم تقليصه من مناصب عليا وبخاصة نواب رئيس الجمهورية لايوازي 2 / 1000 / 100 من حجم الموازنة، وهي في كل الاحوال لاتتعدي المائتي مليون دولار ، والرقم لايشكل رقما يذكر أزاء ارقام الموازنة المهولة، ما يكشف ان الاصلاحات التي أجراها العبادي في الغاء مناصب نواب الرئاسات الثلاث لاتشكل رقما يكاد يذكر في ارقام الموازنة.
3. كشف النائب هيثم الجبوري عن غياب أي تخطيط إقتصادي في مفردات الموازنة ، بحيث ان أرقام الموازنات التشغيلية هي نفسها واردات الدولة من النفط، ولا توجد اية معالم في الموازنة الحالية لخطط او برامج اسنثمارية ان لم يكن الاستثمار قد غاب تماما من هذه الموازنة، وذهب الجبوري الى ابعد من ذلك الى ان مجلس الوزراء ليس لديه اية رؤية عن اعداد الموازنة وكذلك ينطبق الامر نفسه على وزارتي المالية والتخطيط التي لانجد لديها أي وجود يؤكد ان لديهما خططا تم اعداده وما يجري تقديمه عبارة عن موازنات مستنسخة من موازنات سابقة وبنفس أخطائها، ومن ثم يتم تحويلها الى مجلس النواب، وعلى المجلس ان يحتار في كيفية فك الغازها وفقراتها ومن ثم تعاد مجددا الى الحكومة ، وتعاد مرة اخرى الى البرلمان حتى لايتم تخصيص اكثر من جلستين او ثلاثة لتمريرها عأية طريقة حتى وان تم سلقها على عجالة، وبعض الفقرات تظهر تعارضها مع قوانين البلد، كما وجه الجبوري انتقادات لوزير المالية لعدم حضوره الى اللجنة البرلمانية المالية منذ ان تولى الوزارة على عكس وزراء آخرين حضروا الى اللجنة المالية البرلمانية هذا العام وفي سنوات سابقة بشأن ماورد في الموازنات من أرقام وما اذا كان هناك تعديلات عليها أم يجري تمريرها دون تعديل.
4. كشف النائب هيثم الجبوري عن عدم وجود نظام جباية وضرائب في العراق لأن الخدمات غير موجودة أصلا ، فكيف يكون بامكان المواطن دفع ضرائب الكهرباء والماء والخدمات كما يقول ، وهي غير موجودة أصلا او انها في حدودها الدنيا، ما يحول دون ان يعتمد البلد على نظام ضريبي لاختفاء معالم الخدمات في كل اشكالها من الواقع العراقي، كما ان بمقدور الدولة ان توفر موارد من جبايات المنافذ الحدودية والضرائب على شركات الاتصال وشركات أخرى في القطاع الخاص يمكن ان ترفد البلد بموارد مهمة، اما الجانب السياحي فهو الاكثر اهمالا ولا احد يلتفت الى هذا القطاع ليكون أحد روافد الاقتصاد المهمة، للتعويض عن النقص الهائل في أسعار النفط.
5. من جانبه اعرب الخبير الاقتصادي ماجد الصوري عن استغرابه من خطط الموازنات الحالية واتجاه العراق نحو الاستقراض من مصادر مختلفة لتعويض النقص الحاصل في أرقام الموازنة بعد انخفاض أسعار النفط، ودعا الى اعداد موازنات متعقلة تساوي قدر الامكان بين الموارد وبين ارقام الموازنة التشغيلية، وان انخفاض أسعار النفط ليس بمقدورها الان تغطية الموازنة التشغيلية ، ويبقى اعتماد الدولة على القروض من بنوك وهيئات دولية لسد العجز، مشيرا الى ان العجز بهذه الارقام كبير جدا، وعلى من يضعون الخطط ان يتم وضع موازنات تناظر المتغيرات السلبية في أسعار النفط، على طريقة ( أن نمدد اللحاف على قدر أرجلنا ) كما يقال في المثل العراقي.
6. أعرب الخبير الاقتصادي ماجد الصوري عن استغرابه من عدم وجود حسابات ختامية لموازنة عام 2014 وكيف يتم اعداد خطط بلا حسابات ختامية وكيف يتم معرفة خطط وموازنات تم سلقها ولم تعرف أرقام حساباتها الختامية ، وتساءل كيف يتم ادراج ارقام لموازنة عام 2015 دون ان يعرف كيف تم وضع ارقام الموازنات السابقة ، وبإية طريقة وكيف ، ما يؤكد عدم وجود منهج اقتصادي يتم اعتماده لمعالجة أزمات العراق.
7. لقد أدار الزميل ضياء الناصري على خلاف زملاء كثيرين في قناة العراقية البرنامج بحرفية ومهنية وحيادية نالت رضى الكثيرين ، وأدار الحوارات ووزع الأسئلة بطريقة منصفة للجميع وبلا تحيز ، وهذا هو معيار أي برنامج تلفزبوني ناجح ، ولو اتجهت قناة العراقية في سياق بقية برامجها المستقبلية الى هذا البرنامج لكان لها مكان آخر في قلوب العراقيين.
مقالات اخرى للكاتب