صار قوله تعالى {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} ينطبق علينا أكثر مما ينطبق على اليهود في عصر النبوّة.
نعم. فقد صار أيّ فريق من فرقنا وأيّة طائفة من طوائفنا عرضة للتكذيب والتسفية والتخوين والقتل لمجرد أنّه يأتي بما لا تهوى النفس ويميل إليه الفؤاد.
ما عاد الميزان هو الحق ولا الصدق ولا صحة القول، بل هو المصدر الذي جاء منه والمورد الذي ورد عنه والزاوية التي ينظر إليه منها.
صار الميزان هو هوى النفس. ما تحبّ وما تكره. وليس ما تفكر وما تعقل.
وهذا هو التعصّب
وهذه هي العصبية.
بل لقد استمرأنا ما لا يُستمرأ.
واعتنقنا ما لا يؤمن به
وصدقنا ما لا يعقل
لمجرّد أنّ " غيرنا " يقول بعكسه وخلافه.
بل لقد صار لدينا تفسيران أو أكثر للقرآن
وتفاسير كثيرة كثيرة لأقوال رسول الله وأفعاله
وروايات لا عدّ لها ولا حصر للتاريخ ووقائعه وحوادثه.
وصارت القوائم بين هذا الطرف وذاك مختلفة. والأولويات متباينة.
بل ما عاد لدينا من نشترك عليهم من أبطال
فأبطال هؤلاء هم غير أبطال أولئك
ورموز أولئك هم ليسوا على ذلك القدر من الرمزية الذي يراهم عليها هؤلاء.
وهكذا بدأ العزل والتصنيف والاستبعاد والحذف.
وهكذا بدأ التخوين والتكفير.
فمن لا يؤمن بما أؤمن به فهو خارج عن الدين فاسق آبق.
ومن جاءنا بما لا تهوى أنفسنا فبشره بعذاب أليم.
هكذا أصبحت الأمّة أمما. والشيعة شيعا. والقوم أقواما. والحزب أحزابا. والقلب قلوبا. والقبلة قبلات.
متنافرة. متصارعة. متقاتلة. متناحرة. متآمرة.
وكما بدأنا نختتم.
كان الخطاب موجها لليهود فصار من الأجدر أن يوجّه إلينا.
وهذه الآية الأخرى " كانت " موجهة إلى أهل الكتاب، وليس أحرى أن توجّه الآن إلينا.
علاج بسيط صادر من إله " أظنّ " أنّه إله الجميع، أو هكذا كان على الأقل.
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)
مقالات اخرى للكاتب