بعد اشهر معدودة يكون العراق قد تخطى عامه العاشر بعد سقوط سلطة الدكتاتورية وبداية العهد الجديد ، وخلال تلك السنوات العشر صدر الدستور العراقي في العام 2005 ، وهو يستذكر ضمن محنة العراق التي مرت من الاستذكارات ماجرى من عذابات ابناء الكورد الفيليين بعبارة موجزة وصغيرة إلا انها احيت فيهم الأمل .
عشرة سنوات عبرت باستحياء عالجت بعض صغير من مظالم الفيليين وتركت الباقي ، وبقي الفيليون مستمرين في رحلة التيه التي ما انفكوا يعبرون فيافيها ورمالها بالرغم من تغير الزمان والسلطات ، فلم تلق املاكهم التي صودرت قرارا شجاعا يعيدها لهم بنفس القوة التي سلبتها ويسهل لهم امر استعادتها ، اسلموا أمرهم لله وبدأوا برحلة مراجعة الدوائر الرسمية والمنازعات العقارية والمحامين لاستعادة حقوقهم وكأنهم يتنازعون فعلا على حق الملكية فيها مع غيرهم ، ولم يجدوا قرارا يعيد شبابهم وشيوخهم الى اعمالهم في الدوائر الرسمية التي انتزعوهم منها وتم تسفيرهم ورميهم على الحدود بسبب قوميتهم ومذهبهم ، ولا سهلت امر احالتهم على التقاعد واعتبرتهم مفصولين سياسيين كغيرهم ، فداروا بين اروقة اللجان حالهم كحال من سافر بإرادته طلبا للعيش بعد ان اضناه الحصار الجائر ، لم تميزهم الدولة التي بنوا اساسها بعرقهم وحملوا اثقالها فوق اكتافهم ، ورصفوا قواعدها بأجسادهم ، ولم تلتفت الحكومة الى الحالة القومية الجديدة لهم في سجلات الاحوال المدنية التي غيرتها السلطة الدكتاتورية فصارت عبئا جديدا يضاف فوق تلك الأعباء التي تراكمت فوق كاهلهم .
الابادة الجماعية التي مورست بحقهم والتي حلت بهم وان تم الاعتراف بها قانونيا ، إلا انها لم تحرك مجلس النواب ليعيدوا من يسكن منهم في خيام اللجوء بإيران ، ولا التفتت الى من بقي منهم دون جنسية او مال او مستقبل ، ولامنح من تم تهجيره منهم امتيازا ولو معنويا يستذكر معه تشتت العائلة وضياع المستقبل ، لم يلتفت احد الى تلك الأسماء من الشباب التي اختفت عن الوجود نتيجة تجارب الطاغية الكيمياوية المتعمدة عليهم ، ولا الذين قضوا في الحجز بنقرة السلمان والقاعات المغلقة في السجون الاخرى ، وبقيت عيون امهاتهم شاخصة ودامعة تنتظر خبرا منهم دون جدوى ، تناساهم السياسيون بعد ان جلسوا فوق كراسيهم وتسلموا مناصبهم ، بعد ان كان الفيليون أعمدة الكراسي ووقود المناصب ، بعثرتهم السياسة فصيرتهم احزاب وقبائل ومذاهب وعشائر ، وصاروا ورقة رابحة تلعب بها الأحزاب والشخصيات التي تسعى لمنفعتها .
لم يقف لهم مجلس النواب اجلالا وهيبة لما قدمته هذه الشريحة المظلومة من مواقف دعمت جميع اطراف الحركة الوطنية يمينها ويسارها ، وبقي الفيليين يحتفلون بذكرى شهداؤهم ومفقوديهم كل عام لوحدهم ، وبقيت اعداد كبيرة منهم دون مستمسكات قانونية او اوراق ثبوتية بعد ان استلبها منهم رجال الطاغية ، فلم تعيدها الحكومة رغم علمها وقدرتها على ذلك ، وبقي عدد كبير منهم في حيرة من امرهم يقفون على ابواب السفارات لايعرفون ماذا يعملون بعد ان رحل الاباء والأمهات ولا ماذا يقدمون ، وما تستطيع ان تقدمه السفارة لمثل حالتهم ، وبالرغم من صدور اتفاقيات ومعاهدات دولية تمنع بقاء مواطن دون جنسية في كل العالم ، بقي العدد الكبير من ابناء الفيليين دون جنسية حتى اليوم ، وحتى التعويضات التي حصل عليها عدد منهم لم تكن عادلة ومتناسبة مع الضرر الذي اصابهم طيلة هذه السنوات العجاف ، ولااخذت بعين الاعتبار تلك المنافع التي انتفعت منها السلطة طيلة حجز تلك العقارات واستلام مبالغ أقيام محلاتهم وأملاكهم .
وحين قامت اللجان الثقافية بإعادة تصحيح كتب التاريخ العراقي تناست تلك المواقف العراقية المشرفة التي وقفها ابناء الكورد الفيليين منذ تأسيس الدولة العراقية ، ودورهم المشهود في الحركة الوطنية العراقية ، وتلك المواقف البطولية ضد انقلاب البعث الأول في الثامن من شباط 1963 ، ثم في مواقفهم تجاه سلطة البعث الثانية في 1968 وماجرى عليهم من مآسي ، مع أن البطولة والمواقف المشرفة لايمكن تجاوزها او التعتيم عليها .
خذلتهم السياسة وتخلى عنهم قادة احزاب بعد ان تسلموا زمام السلطة ، وزادهم ضعفا تلك الفرقة والنزوع نحو تشكيل مجموعات سياسية بقصد ان يكون بعض منهم قادتها وزعمائها ، ولم يجمعهم الظلم الذي وقع عليهم ، ولم يلمهم ويجمع شملهم التهميش الذي لقوه بعد التغيير ، ولم توحدهم المحنة واستمرارها .
إلا ان الضمير العراقي المنصف يقول انهم لم يزلوا فاعلين ، ورقما مهما في الساحة العراقية ، وعنصرا فاعلا في اقليم كوردستان ، ومؤثرا في المناطق المتنازع عليها ، وأكثر تأثيرا في عملية الانتخابات المقبلة .
ان النخب الواعية من ابناء الكورد الفيليين ومعهم كل الاصدقاء والمؤازرين لقضية الفيليين مدعوين اليوم لتفعيل دور ومهمة الفيليين ، والسعي الجاد والمخلص ليأخذوا مراكزهم التي يستحقونها او على الاقل الحد الادنى مما يتيحه لهم العطاء والنضال والتضحيات التي قدمتها هذه الشريحة لكل العراق ، وكل صاحب وجدان او ضمير حي مدعو ايضا لمساندتهم والتمسك بحقوقهم ، وعدم السكوت على هذا التهميش الذي لم تلقاه شريحة مثلهم ، ولا صبرت على الضيم والصمت الذي واجهتهم به السلطة منذ التغيير حتى اليوم .
بالدعوة اليوم لموقف موحد يلم الشمل يضع الاختلافات في وجهات النظر على حده ، ويضع مصلحة العراق والفيليين بشكل خاص امام انظاره ، وموقف يتشرف به ليس فقط ابناء الفيليين انما موقف يتشرف به العراقي مهما كانت هويته او قوميته ، من أجل ان يكون لكلمة الحق قيمة ، ويجعل الجميع يقف لهم اجلالا وتقديرا ، وموقف يبهر الذين تناسوهم واعتقدوا بان الفيليين ماعاد لهم تأثير إلا بدخولهم تحت عباءة حزب او شخصية او تجمع .
سيرفع الكورد الفيليين تاريخهم المشرف عاليا ، وسيتسلحون بعراقيتهم وأصالتهم ، ويتباهون بعطائهم وشهداؤهم ، وسيكون لهم موقفا وطنيا يتزاحمون به من اجل المشاركة في بناء العراق الجديد ، وان تكون لهم بصمة في ترصين اساس الحلم العراقي في الديمقراطية وبناء دولة القانون التي يتساوى بها الجميع دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي .
ولم يفت الوقت على تلك الوقفة والصحوة التي تعيد لهم مافات من حقوق ، ولم تفت عليهم بعد حيث ان مؤازري ومحبي وأصدقاء الفيليين بانتظار اشارة منهم، حيث ان الكورد الفيلية باقين في ضمائر العراقيين، ويشكلون هامته وشموخه، كما انهم مدعوين لتجميع الطاقات والكفاءات الفيلية بناء على حسن النية وضرورة العمل الموحد ، وانسجاما مع تلك المواقف والمطالب التي يقفها ويطالب بها العديد من الشخصيات الفيلية المخلصة والحريصة ، والخروج بقاسم مشترك يوحد الموقف ويجمع الناس على كلمة سواء .
مقالات اخرى للكاتب