من المقرر ان يُعقد هذا العام 2014 في اقليم كوردستان مؤتمراً دولياً حول الغاء عقوبة الاعدام برعاية الامم المتحدة ومشاركة العديد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات المهتمة بهذا الموضوع، وهو ما يدل على الموقع المتميز الذي يحتله اقليم كوردستان ودوره الذي يتسع يوماً بعد يوم في المجتمع الدولي، حيث لم يشهد الاقليم تنفيذ اي حكم بالاعدام منذ عام 2008 رغم وجود أكثر من 144 محكوماً بالاعدام، الى انه قد تم ايقاف تنفيذهذه العقوبة استجابة لقرارات ونداءات الامم المتحدة والمهتمين بحقوق الانسان والتي يمثل الغاء عقوبة الاعدام موضوعاً مهماً في جداول اعمالها، ويؤشر مدى التزام الدول بالمعايير التي حددتها الامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة.
وتعتبر عقوبة الإعدام من اقدم العقوبات التي عرفتها البشرية، وهي عقوبة خطيرة لأنها من أشد العقوبات التي يقررها القانون، والتي تؤدي الى انهاء حياة المحكوم بها بغض النظر عن طريقة أو اسلوب التنفيذ، وان الخطأ فيها غير قابل للتصحيح لانها عقوبة نهائية لا رجعة فيها للتعديل او الرجوع عن الخطأ، وهو ما جعلها محل نقاش وجدال قانوني واجتماعي وموضوع مختلف عليه بين المؤيدين لها ووجوب تنفيذها، وبين المعارضين لها والساعين الى الغائها او ايقاف العمل بها على أقل تقدير، وبموجب القانون الدولي لا يجوز تطبيق عقوبة الإعدام إلا على مرتكبي الجرائم الأشد خطورة وبعد اعتماد أشد التدابير صرامة لضمان المحاكمة العادلة، ويتم تفسير مصطلح "أخطر الجرائم" على جرائم القتل العمد.
ويمثل تقرير للأمم المتحدة الذي أصدرته بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق(ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الاثنين 20/10/2014 الإرتفاع المثير للقلق في أحكام الإعدام التي تنفذها السلطات في العراق منذ إعادة العمل بهذه العقوبة عام 2005، وإرتفاع عدد أحكام الإعدام التي نُفِّذت في العراق بشكل كبير والتي غالباً ما يتم تنفيذها على شكل دفعات، حيث تم تنفيذ حكم الاعدام في إحدى المرات سنة 2013 ب34 شخصاً في يوم واحد".
كما ان هناك أكثر من 1724 سجيناً ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحقهم، وهو ما يدفع الأمم المتحدة الى التعبير مراراً عن القلق حيال نقاط الضعف التي لوحظت في النظام القضائي العراقي والتحقيقات الجنائية والإجراءات المتبعة في حالات الأحكام بالإعدام والتي كثيراً ما لا تلتزم بالضمانات الدولية والأصول المرعية ومعايير المحاكمات العادلة".
وأن القضاة قد تجاهلوا وعلى نحو منهجي فيما يزيد عن نصف المحاكمات التي تم رصدها والتي تضمنت حكماً بالإعدام إدعاءات المتهمين بتعرضهم للتعذيب لحملهم على الإدلاء باعترافاتهم، كما لم يتخذوا إجراءات كافية أو لم يتخذوا أية إجراءات في القضايا المتبقية"، وقررالقضاة في كل القضايا تقريباً إلى إدانة المتهمين والحكم عليهم بالإعدام بالاعتماد حصراً أو بشكل أساسي على وزن دليل الاعتراف المشكوك في صحته أو شهادة المخبر السري، وان معظم المتهمين حوكموا أمام المحكمة بدون ممثلين قانونيين عنهم، وفي الحالات التي عينت فيها المحكمة محامين لهم فإنهم لم يمنحوا وقتاً كافياً لإعداد دفاعهم على نحو ملائم"
ويخلص التقرير إن "العمل بعقوبة الإعدام في هذه الظروف يحمل في طياته خطر الأخطاء الجسيمة والتي لا يمكن الرجوع عنها في تطبيق أحكام العدالة لأن من المحتمل أن يواجه أشخاص أبرياء حكم الإعدام عن جرائم لم يرتكبوها، وإن الأخطاء القضائية تفاقم تأثيرات الجريمة باحتمال إعدام أشخاص أبرياء، وأن الكثير من هذه الأحكام تستند على أدلة مشكوك فيها و إخفاقات منهجية في تنفيذ العدالة"، كما ان ضعف نظام العدالة الجنائية في العراق وإعدام إشخاص تكون إدانتهم موضع شك لن يؤدي إلا إلى تفاقم الإحساس بالظلم والتهميش لدى شرائح محددة من السكان والذي سوف يكون بدوره أحد العوامل المساعدة التي يستغلها المتطرفون لتأجيج العنف، وهو ما يدعو الامم االمتحدة الى الطلب من الحكومة العراقية الى فرض وقف اختياري على تطبيق عقوبة الإعدام كخطوة أولى نحو إلغائها بما يتفق وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا الواقع المحزن والمؤلم في العراق يقابله واقع مشرق واعد في اقليم كوردستان وبشهادة إيفان سيمونوفيج مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان الذي إستقبله السيد نیچیرڤان بارزاني رئيس وزراء حكومة اقليم كوردستان يوم الأحد 19 أكتوبر 2014، والوفد المرافق له وتصريحاته بأن الإقليم يشهد تقدماُ ملحوظا في العديد من المجالات الدبلوماسية، والعلاقات الدولية، والبنية الإقتصادية، وحرية الإعلام والتعبير، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ومناهضة العنف ضد المرأة، وهو محل إشادتنا وسرورنا، وخاصة جهود نیچیرڤان بارزاني الإيجابية، ووصفها محل إشادة وتقدير، حيث تلاقي هذه الجهود الدعم على المستوى المجتمع الدولي.
وشكره وتقديره لحكومة الاقليم التي بالرغم من الظروف القاسية وعدم وجود الموازنة ومحدودية الإمكانيات فقد تمكنت وبغض النظر عن التنوع الديني والمذهبي والقومي من إحتضان وإيواء اللاجئين والنازحين وتقديم كافة المساعدات الضرورية لهم.
وقدم نیچیرڤان بارزاني شكره لملاحظاتهم بخصوص حقوق الإنسان في الاقليم وأكد على أن حكومة إقليم كوردستان تدعم خطواتهم، ودعا إلى إستمرار طرح الملاحظات والنواقص والمخالفات في الاقليم وإطلاع الحكومة عليها، لكي تتخذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها وإنهائها، وان حكومة الاقليم لا تنفي وجود المشاكل والنواقص وخاصة مع هذه الظروف الراهنة، ومن الممكن أن تبرز هنا وهناك بعض المشاكل والمعوقات الغير مستحبة، ولكن مع ذلك تسعى حكومة الاقليم بكافة جهودها من أجل معالجتها، وتنتظر تعاون المؤسسات ذات العلاقة في الأمم المتحدة.
صورتان مختلفتان عن واقع حياة ومعيشة وحقوق الانسان التي يتم احترامها والتأكيد عليها من اعلى الجهات في الاقليم والاشادة بها من قبل الامم المتحدة وواقع الحال الموجود في العراق.
مقالات اخرى للكاتب