انتشرت بالسنوات الأخيرة الرسائل المجهولة التي تتهاطل على الاجهزة الامنية والدوائر الرسمية والصحافة تكون عادة من دون ذكر الاسم المرسل او اسما وهميا حتى لا يعرف صاحبها، كما أنها في الغالب تصفية حسابات شخصية بها الكثير من الحقد وأحيانا البعض من الحقيقة، وقد تؤدي دورها في غياب شجاعة المتعاملين الذين يرفضون الظهور في الصورة أو دخول أروقة المحاكم أو (سين جيم) مع الجهات التحقيقيه أو الدخول في صراع علني مع المشكو منه .
وتعد الشكاوى المجهولة الوسيلة السهلة لتصفية الحسابات في العديد من المؤسسات والدوائر الحكوميه، وتتميز هذه الشكاوى بخلاف غيرها، أن صاحب الادعاء يبقى مجهول الهوية وبعيدا عن التحقيق ، كما لا يمكن تحديد مصلحة ولا صفة من يقف وراء الشكوى، اللهم ما يختاره من عبارات يذيل بها الشكوى في مكان التوقيع( كفاعل خير أو غيور أو مواطن صالح اومواطن شريف اومحب للوطن ) خصوصا أن ثقافة الخوف أضحت السمة الغالبة على جميع التصرفات سيما حينما تقترن بالرغبة في الانتقام حينها ينتصر اللاقانون على القانون .
وأكثر العناوين التي يختارها أصحاب الرسائل المجهولة (لتسقيط الموظفين )هي مكتب شكاوى المواطنين برئاسة الوزراء والخط الساخن للداخليه الخطوط الساخنة للمفتشين العممومون بالوزارات او يختار احد البرلمانيين اوالصحافة والبعض يحولها إلى المواقع الإلكترونية الخاصة بالجرائد وهي طبعا محاولة لإثارة الموضوع، اما الانتقام من غير الموظفين جار من جاره اقارب من اقاربه (فترسل الرسائل المجهوله الى ضباط استخبارات المناطق اوجهاز مكافحة الارهاب اوجهات استخباريه اخرى اوقائد فرقه ومااكثر الجهات بالعراق ) وابسط تهمه تلفيقيه (الارهاب اومتعاون مع الاهابيين) ورغم أن الكثير من الرسائل المجهولة دوافعها هي الأحقاد إلا أن البعض منها يحمل بعض حقائق ، وسبب لجوء أصحابها إلى هذا الأسلوب (المخفي) هو خوفهم من تداعيات كشفهم ، كما أن بعض الرسائل المجهولة تندلع مباشرة اذا كان المستهدف على علاقة غير سليمه مع المفتش او رئيس الدائرة ، حيث تذبحه هذه الرسائل بمجرد أن يقع تحت الضوءحيث بمجرد وقوعه حتى تهاطلت الرسائل المجهولة كالطوفان.
كما استخدمتها مافيا الفساد لتصفيه خصومهم من أجل القضاء أو الانتقام من أشخاص لم يسايروا مصالح لوبيات الفساد، وفي هذا الشان أكد لنا أشخاص كانوا ضحية للرسائل المجهولة انهم كانوا وراء الكشف عن تجاوزات في الادارة التي يعماون فيها.
اختلف الخبراء في سر "الرسائل المجهولة " بين من يراها علامة صحية فرضتها الحالة العامة للبلاد و بين من يعتبرها انتهاكا للحقوق، و اشترك هؤلاء في كونها العامل المشترك بين قضايا الفساد التي تفجرت في الأونة الأخيرة و المصنفة من طرف السلطة على أنها نتاج الارادة الحقيقية في مكافحة الفساد،غير أن السؤال الجوهري المطروح لماذا يتم الاعتماد على رسائل مجهولة في وقت تتجاهل السلطات الاف الشكاوي المسجله من طرف أصحابها أو تتباطأ في اجراءات التحقيق فيها ؟ ولماذا لا تحرك الجهات المختصة تحقيقات قضائية بناءا على تحقيقات صحفية تكشف تجاوزات قانونية وادارية في عدة وزارات و موسسات في وقت تتابع الصحفي وتطالبه بالبينة والدليل رغم أن العمل الاعلامي مهمته الكشف عن مواطن الفساد .؟
اما البعض من اسبابها تحركها رغبات خفية وتوظف في حالات لتصفية الحسابات والانتقام، من بين سلوكات أصحاب الرسائل المجهولة، عبر تصنيف نفسي وسوسيولوجي، يختلف حسب هدف صاحب الرسالة. وترتبط الأهداف بحسب المصلحة وهي سلوكات تختلف حسب بواعث الرسالة التي يصنفها إلى أهداف تنضوي ضمن المصلحة العامة، أو أهداف تقويمية وأخرى كيدية تكون بواعثها شخصية .
ان ارتفاع نسبة الاتهام الباطل يؤدي إلى تنامي الفوبيا الاجتماعية ويخلق أزمة انعدام الثقة، فعندما يتكاثر الاتهام الباطل فهذا يدل على وجود انحراف يتنامى بشكل قوي في مجتمعنا يعني أن هناك خللا في المجتمع وهذا الخلل هو ناتج عن المجتمع نفسه، ويضر في الوقت نفسه المجتمع ذاته. وهناك علاقه طردية فكلما زادت نسبة قبول الرسائل المجهولة الباطله كلما كانت عوامل وآليات الخلل بارزه وواضحه لاسيما ان النظام السياسي الحالي يشجع على هذه الممارسات وهي خليط بين الجهل والحقد لدى القاده الاداريين وجهات التحقيق البدائيه، فالمجتمع المنغلق تكثر فيه الوشاية التي تجمع بين الحقد والخوف، فهي تتناقض مع الاطمئنان ففي المجتمعات المغلقة تستعمل كأداة لتدبير الشأن المجتمعي، أما في المجتمعات المفتوحة فتكاد تكون معدومه، لأنها تتناقض مع حالة المجتمع ومع المبادي الاوليه للعداله المجتمعيه .
مقالات اخرى للكاتب