عنوان المقال مستوحى من شعار (قادمون يا نينوى) الذي أطلقه وزير الدفاع خالد العبيدي حول الشروع بتحرير اغلب المناطق التي استولى عليها تنظيم "داعش" ومنها الموصل.. المدينة العراقية ذات الدور والمكانة الجيوبولتيكية المؤثرة بعد ان اعلن وزير الدفاع عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين القوات الامنية الاتحادية و"البيشمركَه" من اجل التنسيق وتبادل المعلومات في عملية تحرير مدينة الموصل من عصابات "داعش" الارهابية.
وبغض النظر عن السيناريوهات التي طرحت لتفسير هذه الواقعة الفريدة من نوعها وغير المسبوقة تاريخيا، وهي سقوط مدينة كبيرة وستراتيجية بحجم الموصل بيد تنظيم ارهابي بما يشكل نكسة حزيران العراقية. ورغم ان تلك السيناريوهات لم تخرج عن نطاق نظرية المؤامرة وتلفيقات المماحكات السياسية والافتراضات الكيدية إلا ان جميع المؤشرات الحاصلة على الأرض الآن تشير الى ان الموصل ستكون المفصل الأخير والاهم في سياق الحرب ضد "داعش" كما كانت الحلقة الأولى في هذا السياق من اجل طي هذه الصفحة الدموية المؤلمة نهائيا من تاريخ العراق المعاصر.
لقد كان سقوط الموصل بداية الانهيار النوعي والكوارثي الذي شهده المشهد الأمني في العراق (10 حزيران من العام الفائت) وقد تبعت هذا الانهيار تداعيات أمنية وإنسانية متلاحقة ومروعة شكلت أقسى ملامح الانكسارات الأمنية الدموية. وقد كانت السنة الماضية دامية ومليئة بالمآسي والمجازر التي تأتي في مقدمتها مجزرة قاعدة "سبايكر" التي لم يتم التوصل الى نتيجة معقولة لفك شيفرة الغازها.
ويمكن ان نطلق على العام 2014 المنصرم عام سقوط الموصل وعام مجزرة "سبايكر"، ويأمل العراقيون كما وعدهم رئيس الوزراء د. العبادي بأن يكون هذا العام عام تحرير ليس الموصل فقط بل كامل التراب الوطني من دنس عصابات "داعش" وطردهم خارج أسوار الوطن، وهي مرحلة أولى تتبعها مراحل كون ان هذه العصابات تمتلك العديد من الحواضن والاذرع الأخطبوطية الإقليمية والدولية والمحلية التي تقدم لها الدعم المادي واللوجستي وغير ذلك من وسائل الإمداد والإسناد، لذلك فان هذه العصابات لن تقف مكتوفة الأيدي وقد تكون الحرب التي تشنها "داعش" بعد التحرير (تحرير الموصل) اكثر عنفا وضراوة وتدميرا وبوسائل اكثر شراسة ووحشية.
ونظرا للتوسع الداعشي في الشرق الأوسط وأذرعه الأخطبوطية من حواضن ومنافذ للتعبئة وللتجنيد ومصادر التمويل فان الحرب على "داعش" يُعتقد بأنها ستطول لسنوات او عقود او تتوسع لتشمل أراضي اخرى غير العراق، إلا ان الانتصارات التي حققها الجيش العراقي وقوات "البيشمركَه" وفصائل الحشد الشعبي غيرت من النظريات القاصرة التي بنيت على قناعات غير ناضجة ومشككة بقدرة القوات الأمنية العراقية على دحر التمدد الداعشي الذي يمثل ورما سرطانيا يجب اقتلاعه نهائيا.
ولا شك ان الانتصارات الجزئية والنوعية التي تحققها القوات الأمنية العراقية لا تكفي لأنها أشبه بتحرير أجزاء معينة من دنس الدواعش وتركهم يعيثون فسادا وتدميرا وارهابا في مناطق اخرى كالموصل التي قضمتها "داعش" في ليلة ليلاء وضمن سيناريو دراماتيكي مبهم يمكن ان يقدم إجابة ومنطقية تضع النقاط على الحروف.
وتترتب على هذا حتمية حدوث معركة مفصلية تغير نتائجها مجرى الأحداث المتراتبة لصالح العراق وتعكس اتجاه البوصلة بالاتجاه الصحيح نحو العراق الجريح، معركة من طراز معركة "ستالينغراد" الملحمية التي تعتبر نقطة تحول مفصلية في الحرب العالمية الثانية على الساحة الأوروبية، والتي غيرت الكثير من خرائط الحرب ونتائجها.
وكما يستشف من تصريحات المسؤولين الأمنيين نرى ان معركة تحرير الموصل باتت وشكية وان الاستعدادات التعبوية والتكتيكية واللوجستية جارية على قدم وساق لمعركة حتمية وفاصلة ومصيرية لتطهير الحلقة الأهم من حلقات مسلسل الاحتلال الداعشي للتراب الوطني العراقي ولسحب البساط من تحت طاولة هذا التنظيم الذي يتخذ من الموصل مرتكزا ستراتيجيا لعملياته العسكرية والارهابية التدميرية من اجل الانتقال الى مرحلة ما بعد "داعش"، وهي مرحلة استحقاقات وطنية كثيرة منها إعادة إعمار تلك المناطق التي خربتها ممارسات "داعش" والتي شهدت عمليات عسكرية واسعة من قبل القوات الامنية العراقية او قوات التحالف الدولي، فضلا عن إعادة بناء مرتكزات البنى التحتية التي دمرت وإعادة النازحين الى مدنهم وإلى حياتهم الطبيعية.
مقالات اخرى للكاتب