تنوعت المشارب الفكرية، ومعها نشأت التوجهات السياسية، تطورت فصول؛ وتعددت أصول، كل يعتقد إن سلوكه الأمثل في الوصول لحياة دنيوية أخروية ظافرة، تعدد المذاهب والأطياف ليس جريمة يعاقب عليها القانون، فالديمقراطية اشتقت وتبلورت لتكون جامعة وافية ينعم الجميع بخيرها الوارف.
والديمقراطية هي حكم الشعب أو سلطة الشعب في حكم نفسه، وهو مصدر السلطة في الدولة الذي يختار الحكومة وشكل الحكم، وهو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة، وعند المقارنة نرى الباري عز وجل قد نظم الحياة الاجتماعية بجميع رسله السماوية على أساس الاختيار.
التجربة الإسلامية خولت الناس بصناعة مستقبلهم وتحديد مصيرهم، وفق معيار أنساني اجتماعي أخلاقي، بنيت أسسه ودعمت أركانه بنزول الرسالة السماوية، الباري عز وجل لم يتدخل باختيار الأنسان بصياغة الحياة الواجب عليه اتباعها، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{10})، الإسلام هدفه توضيح وتبيان المفاهيم، وتنظيم الفرد في التعامل مع إدارة شؤونه حسب ما يقتضي الواقع، فالإسلام تجربة متكاملة الجوانب، لم يترك شاردة أو واردة إلا أحصاها، للنهوض بحياة حرة كريمة لجميع بني البشر.
وهنا بدأت الحاجة الى ابتكار علم يربط الأفراد بالمجموعات ضمن الدولة فنشأت السياسة: وهي الطرق المؤدية لاتخاذ القرارات من أجل الرقي بالمجتمعات البشرية، وتعطي دلالة واضحة على تسيير أمور أي جماعة وقيادتها، وكيفية التوافق بين مختلف التوجهات الانسانية كضمانة للتعايش السلمي، فشملت التجمعات الدينية بكل أطيافها، والأكاديميات، والمنظمات، فالسياسة إذن: هي فن الحكم وإدارة الصراع...
ومن هذا التعريف نستطيع القول: السياسة تؤثر في (التعليم، والاعلام، والاجتماع، والقانون، وفي الحرب والسلام، والاقتصاد، الخ...)، أي أمور تعنى بحياة الناس جميعا وتأثر فيهم مباشرة.
العراق عبارة عن نسيج اجتماعي متراص مبني على الحب ونكران الذات، بين أغلب مكوناته دخلت السياسة لتدك مفاصل ذلك النسيج وتجعل منه فئات مجتمعة حول منافع معينة، التعددية حالة صحية لو كانت مبنية على أسس سليمة، خاضعة لمبادئ انسانية، تعنى بتطوير وتأهيل عقلية الفرد وفق معايير وقيم أخلاقية رصينة.
بعد دخول التطور والانفتاح الواسع، ودخول النت بشكل كبير للعراق؛ تسابق الساسة الى حجز مقاعدهم المرموقة ضمن أوساط الشباب، بغية التأثير المباشر عليهم من خلال المعلومة الخاطئة، وتحليل الحدث حسب رؤية مصلحية سياسية مقننة، لا يستطيع معها أصحاب الفكر المحدود والنظرة القاصرة الا التصديق بها واتباعها حيث ما حلت وارتحلت.
الانسان العراقي يُضرب ويدمر من خلال سلوك مبرمج، مما جعل منه آلة صماء لا تفكر وتستشعر ما يملى عليها من خطأ وصواب، والنتيجة تردي الواقع الفكري الى أدنى مستوياته عبر تناحر صبياني طفولي، الهدف منه انشاء جيل مسيس حسب ايدلوجية حزبية عقيمة، تهدف الى تسييره وابقاء منافعها الخاصة حيز التنفيذ لأمد بعيد.
المسؤولية تحتم على قادة البلد توحيد الكلمة، وضمان سير العملية السياسية بالطريق الصحيح، فالحاجة أم الاختراع وما دمنا بحاجة السياسة لبناء البلد، فيجب الغور بأسبارها وترك النزاعات التي تصيب جسد الوطن بالسهر والحمى
مقالات اخرى للكاتب