بقدر ما في تجارب الحياة من مرارة وجهد فأن فيها حكم وعبر، وخير الناس من استفاد من تجاربه للوصول الى افضل النتائج ، وتجربتي مع الأنتخابات البرلمانية كمرشح خاض الأنتخابات لآول مرة بجهود ذاتية ،و لم يخرج بالعدد المطلوب للفوز ، جعلتني اعيشها من على قرب واصف ما يمكن وصفه مما يحدث في العراق ،كانت اول انتخابات برلمانية بعد الأنسحاب الأمريكي عام 2011 وثالث انتخابات برلمانية بعد احداث 2003 .
ان الذي يركز جيد في الطريقة التي جرت فيها هذه الأنتخابات يتبادر الى ذهنه صور الميلودراما في الأفلام الهندية التي تتعدد فيها الموانع والعقبات وتزخر بالحوادث المثيرة وتتسم بالمبالغة ولكن النتيجة مضمونة لبطل الفلم سلفا !
هل يعرف جميع العراقيين ان عدد المرشحين كان خياليا ً بالقياس الى العدد المطلوب من البرلمانيين حيث بلغ عدد المرشحين 9039 مرشحا ً ينتمون ل 277 حزبا ً وتيارا ً سياسيا ً لأجل الحصول على 328 برلماني فقط ،بحيث اني كنت اصطدم بمرشح اينما اتجهت ، و في الزقاق الذي اسكنه كان هناك اكثر من خمسة مرشحين !
هل يعقل ان في مدينتي ما يقرب من 700 مرشح من اجل 19 برلمانيا ً ،بحيث يتقدم كل من حصل على شهادة الأعدادية وبعضها كانت مزورة ، أن هذا غير معقول ولا أعتقد أنه موجود في أي بلد في العالم ،وأكيد ان المستفيد الوحيد منه هو من سمح به .
لماذا رشحت للأنتخابات :
اعتقدت انه واجب وطني ومسؤولية شرعية وقانونية ان لاينزوي من يجد في نفسه القدرة على خدمة وطنه وعموم المجتمع ، لأنه بذلك يحرم المجتمع من خدماته كما انه يسمح للمتطاولين من غير الكفوئين بأشغال هذه المناصب .
كنت متيقنا ً من عدم فوزي بسبب :
- فهمي لطبيعة الشارع العراقي اليوم .
- إعتمادي على امكانياتي الذاتية فقط ،وكانت متواضعة جدا ً .
- عدم مقدرتي على التصنع والكذب ، وقد نوهت الى هذا في مقالات سبقت الأنتخابات ببضعت ايام مثل :
مقال بعنوان ( ما الذي يهدد التغيير ) وآخر(هل يحصل التغيير الكبير) .
- بسبب عدم انتمائي للأحزاب ، فقد كان ترشيحي متأخرا ً وقد اضفت الى أحدى القوائم بعد حذف أحد المرشحين بسبب الأجتثاث .
انتخابات فيها كل ماهو غريب وعجيب :
ان الموضوع الغريب هو احتفاظ المرشحين من المسؤولين بمناصبهم وامكانيات تصرفهم بقدرات الدولة السياسية والمالية خلال سير العملية الأنتخابية ، فأعلى شخصية في البلاد يتنقل في مدن العراق يوزع سندات تمليك الأراضي ويقيم حفلات انتخابية تحرسها السمتيات ويتنقل بأرتال من السيارات المظللة ويوزع سندات تمليك قطع اراضي ويعطي زيادة تراكمية على رواتب المتقاعدين قبل الأنتخابات ببضع ايام خلال العطلة التي سبقت الأنتخابات !
وهذا احد البرلمانيين الذين وقعوا على قانون الامتيازات والمنافع الشخصية للبرلمانيين سئ الصيت ،والذي خرج الشعب ضده بمظاهرات حاشدة ، يقيم مأدبة انتخابية ضخمة فتتعالى خلالها اصوات الهوسات والأهازيج التي تكيل له المديح وتظهره كبطل أطل من الغمام و قد جاء بما لم يأتي به أحد من قبله !
وذلك ثالث يطرق ابواب شيوخ العشائر تسبقه الهدايا وذبائح الولائم ويرتبها بوعود براقة وكأنه لم يكن في الحكم لسنين خلت فلم يفعل شيئا ً للناس وكأن هؤلاء قد شاهدوه لأول مرة وهو يغدق العطايا ويبذل الأموال ،وآخر يجند سيارات الدولة لفرش الطرق بالسبيس ، ومرشحة تطوف البيوت تسبقها سيارات محملة بقطع القماش ،تدخل على النسوة فتأخذ بألبابهن ويتناسين انها أغلقت هاتفها حال فوزها في الدورة البرلمانية السابقة وفعلتها بشكل أسوء بعد هذا الفوز ، فيصدقن الوعود فرحات بقطعة القماش كالطفل وقد أغريته بلعبة ،وليس هذا فحسب بل كانت تقول لهن سأوظف اولادكن جميعهم وتطلب المستمسكات التي ترميها فتختلط في السيارات امام اعينهن ولكنهن لازلن يصدقن ان اولادهن سوف يحصلون على وظيفة رغم ان الجميع قد احكم اغلاق المكاتب التي فتحت على قدر ايام الأنتخابات ولم يعد أحد يرى أولئك المسؤلين بعد ان نالوا الأصوات و الفوز !
ماذا عني :
رب سائل يقول ماذا عنك انت ؟
كنت اتكلم مع الناس بالحقائق قلت ان العراق اليوم بحاجة الى تدعيم وحدته الداخلية والأتجاه الى استغلال ثرواته الضخمة الأستغلال الأمثل بما يقضي على الفقر والعوز المستشري بالبلاد ،والظواهر الشاذة الأخرى كالفساد والأرهاب والبطالة وغيرها،قلت لأبناء مدينتي ان نسبة الفقر فيها وفق احدث احصاء رسمي هو 41 % ،وهي نسبة مهولة ،قلت بوجوب تحول البلاد الى خلية بناء لتعويض ما مر بالبلاد من خراب ولتوفير فرص للشباب الذين يتوجب الأهتمام بهم وعدم تركهم لقمة سائغة للبطالة والتسكع والأنحراف وقلت لهم ان الله عوض العراق بثروات هائلة اهمها النسب الكبيرة من الشباب الذين يمتلكون الطاقات الكبرى والأمال العريضة التي يجب ان تستغل في بناء العراق واللحاق بركب الأمم المتقدمة ،وقلت يجب ان نهتم بتعليم اولادنا وبتطوير مدارسنا وبالقضاء على التسرب الكبير من المدارس وظواهر عمالة الأطفال والفتية ،وذكرت وجوب ان تكون هناك قرارات ثورية تعالج الواقع المؤلم للبلاد ،واوضحت لهم اني لاأقول لهم انتخبوني ولكني اقول لهم : أسألوا ودققوا جيدا ً قبل اعطاء اصواتكم فالمسؤولية كبيرة ،أختاروا من يمتلك التحصيل الدراسي الممزوج بالخبرة والنزاهة والكفاءة والشجاعة لكي لاتندموا غدا ًفتضطرون للخروج بمظاهرات لافائدة مرجوة منها،بأختصار كنت أطلب منهم ان يحققوا التغيير الذي ينادون به والذي سمعوا توجيهات من المرجعية الدينية بشأنه ،وكانوا يوافقوني في ذلك وينتقدون البرلمانيين الذين وقعوا لأنفسهم امتيازات دون الشعب ،ويسـألوني ان كنت ارفض هذه الأمتيازات الغير مـعقولة ولكنهم بعد لقائي بهم يستقبلون أولئك البرلمانيين بالهوسات والأهازيج والطمع بما يحملونه من هدايا تافه ووعود كاذبة ،بعد كـل ذلك عـادوا وصـوتوا للقدامـى مـن اصـحاب الأمتيازات !
وكنت اراهم ينصتون وقد انعقد الطير على رؤوسهم ،وكأنهم يسمعون هذا الكلام لأول مرة ،فلم تكن لدي هدايا ولم اعدهم برواتب او تعينات ،وكانوا في نهاية اللقاء يشدون على يداي ويوعدون بالمساندة ولكني كنت اقرأ في عيونهم انهم يبحثون عن اشياء قريبة امام ناظرهم لايجدونها عندي بل يوفرها لهم القدامى بما يملكون من دعم مالي ،انهم لاينظرون الى المستقبل وكل منهم يبحث عن ليلاه .
ولكي لاأطيل فأني أضع النقاط التالية لكل ذي ضمير يهمه مستقبل العراق :
- ليس هناك قانون انتخابات واضح ، بل هناك متنفذون يضعون ما يحلو لهم من قوانين ،فالقانون الذي استفادت منه الكتل الصغيرة في انتخابات مجالس المحافظة غيروه الى ما يفيدهم وبالتالي خرجت الكتل الصغيرة خالية الوفاض في هذه الأنتخابات .
- لم نشعر بحيادية المفوضية التي كانت سيف مسلط بيد من في السلطة ،يحذف من لايحلو لها بحجج جاهزة كالأجتثاث مثلا ً ، بينما هناك بعثيون كبار يشتركون دون ان يشار لهم بالبنان ،وفي الوقت الذي كان فيه المسؤولون يتنقلون في دعايات انتخابية مبكرة كان محضورا ً على الأخرين ذلك .
- من غير المعقول ان تكون الحكومة هي المالكة و الأمرة الناهية وبيدها خزينة الدولة وفي نفس الوقت هي خصم انتخابي !
- تقنين عدد المرشحين بضوابط تليق بأعلى سلطة تشريعية في البلاد ،فلا يسمح لمن هب ودب ولكل مغامر مما يخلق تشويش كبير وتشتيت للأصوات وضياع للكفاءات وهدر بالمال العام .
- حصر حق الأنتخاب بطبقات واعية وقادرة على معرفة مصلحة البلاد .
- الفارق الكبير بين الأموال المبذولة للدعاية الأنتخابية لحساب الكبار الموجودون في السلطة وبين الدعاية البائسة للمرشحين الجدد وخاصة المنتمين للكتل الناشئة حديثا ً .
اذا كنا نطمح بالتسامح ووحدة الصف والقضاء على ما يحصل للبلاد الأن من تدهور امني واقتصادي ،فيجب عدم تهميش العراقيين وجعلهم غرباء في اوطانهم ويجب ايقاف التمييز وخلق الفئات والطبقات ،ويجب ان يشعر العراقيون انهم سواسـية في الفرص والأمتيازات ،وان لايصور وكأن البلاد قد أصبحت طابو صرف لفئة بعينها دون الأخرين .
مقالات اخرى للكاتب