إن كل إنسان حصيف النظر ودقيق المتابعة ويمتلك ذهنية واعية وراصدة , يجد بقناعة أن العلاقات والتقاليد الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد في خط النزول , وان الأخلاق التي تعودنا عليها قد تسرب لها طاعون التفكك والتمزق حيث نجد بيقين وواقعية أن الترابط والانسجام والإيثار والمواساة وحسن الجوار والتالف والتوالف كان في السابق متينا وقويا وصلدا وصادقا ومتماسكا ومبنيا على أسس قوية ودعائم صلدة من النقاء والوفاء والاخاء , فكان المجتمع في أي زقاق أو قطاع أو مدينة أو قضاء أو ناحية أو ريف أو محافظة وكأنه عائلة واحدة في التوادد والتآخي والمواساة , فكان الناس يتبارون من اجل إشاعة القيم والمثل السامية والعادات النقية , وكان الإنسان العراقي في أية منطقة إذا تعرض ابن مدينته لأي نكبة أو مصيبة أو كارثة فانه يعتبرها نكبته ومصيبته فيحزن لحزن ابن مدينته ويعتبر ما نزل به بلاء أو ابتلاء قد نزل عليه , وكان المجتمع يعتبر الذي لا يحزن لحزن جاره وابن مدينته قد ارتكب خطا أو اقترف سوء أو سف إلى منحدر لا أخلاقي ويبقى يشعر – الذي لا يواسي ولا يحزن - بأنه أصبح محتقرا منبوذا يخجل من نفسه ويتوارى عن الأنظار حياء واستحياء ويتعرض إلى هجمة شرسة وقاسية من أهله وذويه ومجتمعه , لذا نجد أن أي إنسان في ذلك الزمان حذرا يقظا محترسا من كل سقطة أو هفوة يتعرض لها لأنه موقن أن عقابا اجتماعيا قاسيا يلاحقه , لذا نرى أن العلاقات في السابق تتوهج بها لألئ الفضيلة والصدق والعفوية والبراءة والإيثار المتبادل والمواساة , فكانت أكثر العوائل العراقية يختلج فيها رحيق المشتركات والمحبة والمودة والصدق , وكانت في ذلك الزمن تتلألىء فيه نجوم المعاشرة الصادقة البعيدة كل البعد عن الأطماع وعن الدس والافتراء والخداع , والذي يثير العجب أن المجتمعات كلما تتقدم في العلم والحضارة والرقي نجد أن القيم والأصول والفصول تبدأ تتآكل وتتفتت وتبعث في النفوس الأبية عواصف التذمر والاستياء والاشمئزاز ., وان هذه الحقيقية واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى برهان ( – مع احترامي للذين مازلوا متمسكين بالقيم والمبادئ وهم كثيرون ولله الحمد - ) . إن المفجع للنفس والدامي للقلب أن دماء الفقراء والأبرياء التي استبيحت وهدرت يوم الثلاثاء الأسود مازالت تفور وتغلي ولم تبرد ولم تجف بعد , وبالرغم من حجم المأساة والضحايا والدماء نرى في الجانب الأخر أن طبول الأفراح والأعياد قرعت وان موسيقى الرقص عزفت والأكتاف والأرداف هزت ..! فماذا دهى الناس ..؟ وماذا أصاب البشر ..؟ لماذا هذه الشقلبة المقيتة.. ؟ ولماذا هذه الحركات الممجوجة..؟ ولماذا هذا التنكر الوقح للشهداء وعوائلهم وللجرحى وذويهم ..؟ . رب أحدكم يقول ماذا تريد يا ماجد هذه هي سنة الحياة والأمور يجب أن تسير , وأنا لا اختلف معكم ولكن أقول :- دعوا الدماء تجف وافعلوا ما تريدون . إن اخطر معاول الهدم والتخريب هي المعاول التي تهدم هياكل الأعراف المتسامية والأخلاق العراقية والسلوك الإنساني الرفيع , وإننا في هذا الزمن الرديء يجب علينا أن نعود إلى عفويتنا وسجيتنا وفطرتنا التي فطرنا عليها والمتمثلة بالمواساة والطيبة , علما بان أعمارنا محددة وان الفواجع والمصائب والمأساة التي أصابت الناس يوم الثلاثاء الأسود من الممكن و المتوقع أن تصيبنا في أية لحظة وثانية.
مقالات اخرى للكاتب