قبل بضعة أعوام حملني احد أصدقائي هدية الى موظف أوربي في إحدى الدوائر الأوربية المهمة والسبب ان صديقي الكريم فرح جدا لسهوله سير معاملته بلا عراقيل تذكر رغم انه هيئ نفسه لأسوء الاحتمالات في سير المعاملة, المهم انه حملني هذه الهدية بعد انتهاء معاملته بأكثر من أسبوع فترددت كثيرا في إيصال الهدية لاني اعرف طريقة تفكير صديقي الموظف الأوربي, وبعد الإلحاح أخذت الهدية الثمينة وذهبت الى الدائرة حيث صديقي الموظف وقدمت له مقدمة حتى لايسيئ الضن وما يشفع لي في رأيي ان المعاملة قد انتهت وليس لها أي متعلقات أخرى تثير الشك في النية, فكان الجواب كما يلي.. أنا ياعلي سعيد بمهنتي وبكل شيء في حياتي وسعادتي هذه هي التي تدفعني لقضاء حاجة الآخرين وأداء واجبي بالقدر الذي اقدر عليه ولو كان في معاملة صديقك مايستوجب علي تعطيلها لما ترددت في ذلك,إذا فلا حق لي عليه سوى انه حين يراني في المدينة او في أي مكان عام ان يلقي علي التحية .انتهى. في يوم ما اقترح علي احد الأصدقاء الشرقيين ان اختصر الجهد والوقت والمال في إحدى المعاملات في إحدى الدوائر الخدمية في ألمانيا ولاني كنت حديث الإقامة حينها واجهل الكثير من تعاملات البلد قررت الأخذ برأيه وتوكيل المعاملة الى احد أصدقاءه(أجنبي عربي) المتخصص في هذا المجال وبعد وقت أطول بأضعاف وجهد اكبر بأضعاف ضاعت الأموال التي هي أيضا أكثر بأضعاف وضاع صديق صديقي الذي اختفى في ليله وضحاها بقدرة قادر. والخلاصة بين هذا وذاك تقول ان هناك فرق بين هذا النوع من البشر وذاك, وعلى العموم فلم يكن النوع الثاني موجودا من قبل وهو عارض هنا في أوربا, وكل القدماء في هذه البلاد الأوربية يعرفون الفرق بين أيام زمان والآن فأنت حين تتحدث عن الغش والاحتيال او الرشوة سابقا لايصغي إليك احد لأنك تتحدث عن أمراض غريبة ليس لها مصاديق على ارض الواقع لكن الآن وبفضل أهل الشرق فقد استشرت الرشوة والغش والاحتيال شيئا فشيئا وصارت حالة من حالات الشارع ولاغرابة فيها رغم استهجانهم واستهانتهم بمن يلجأ الى هكذا أعمال, وأنا لاادعي هنا ان الشعوب الأوربية هي مثال للكمال والترفع عن كل مذموم لكنني قارنتها بشعوبنا الشرقية التي تدعي انها أساس للأخلاق الحميدة والأصالة والرقي لان أكثرها تستند الى تاريخ عريق تتفاخر به ليل نهار وتصنع منه الأساطير لتثبت للعالم انها الأكرم, لكن الواقع عكس ذلك تماما لأننا لو قارنا شعوبنا اليوم بأي شعب غربي لوجدنا ان بيننا مسافات شاسعة لاتردمها عشرات السنين من الثقافة والفكر والرقي فالمتسكع الأوربي الذي ينام على قارعة الطريق هو وكلبه الصغير, هو الذي أعاد لي هاتفي النقال حين نسيته في غرفه الهاتف الذي ينام بقربه,والشاب العربي هو الذي هم ان يسرقه من جيبي حين كنت في احد الأسواق العامة,وابن البلد الأوربي هو الذي يزرع الورد على حافات البيوت والشوارع بكل فخر واللاجئ الشرقي هو وأطفاله من يقتلعها من الحدائق العامة ليرميها على أرصفة الطريق, والشرقي يرفع على شباك داره وعلى شرفة بيته علم بلاده التي طرد منها وجرد فيها حتى من حق إنسانيته وكرامته ومنع بعضهم حتى من العودة إليها ويترفع هنا من ان يتعلم لغة البلد الذي احتضنه ومنحه الحقوق الكاملة والحياة الكريمة له ولأبنائه ويعتبر ذلك عيبا يخل بانتمائه وثقافته.فالمواطن الأوربي مسالم بطبيعته وصريح لايخفي استهجانه أو استغرابه تجاه كل مايثير ذلك فهو يسأل الأجنبي وبصراحة, لوكنت تريد الحياة الطبيعية هنا ومشاركة أهل هذه البلاد فيها فلماذا لاتتعلم لغتهم؟ ولماذا لاتلتزم بما يلتزمون به ؟ ولماذا لاتنمي قدراتك الثقافية والمهنية لتكون عنصرا فعالا في المجتمع لا عالة على المجتمع والدولة! وهذه آخر الإحصاءات الألمانية كـ سبب لبعض هذه الاستفهامات. 64% من مجموع العراقيين في ألمانيا عاطل عن العمل 52% من مجموع الأفغان... 47% من مجموع الباكستان.. 41% من مجموع الإيرانيين... الى آخر الإحصاءات عن بقية الجاليات المتواجدة هنا في ألمانيا المتشددة نوعا ما في قوانين العمل, ما معناه ان النسبة أكثر بأضعاف للأجانب في بقية الدول الأوربية. مقابل (6,9 % من الألمان عاطلين عن العمل ) وهذا الفرق في نسبة العطالة هو خير دليل على عدم فعالية هذه الجاليات في هذه الدول وهذا العالم وخير دليل على سوء استغلال هذا الكم من الخدمات الاجتماعية والحريات والديمقراطية من قبلنا في هذه البلدان, وأنا احين أتحدث بهذه الحرقة لااقصد ان يتنكر الإنسان الشرقي لهويته ويكون غربيا لكنه مادام قد اختار الحياة في نظام متكامل ومجتمع متكافل فعليه ان يعيش كجزء بناء في هذه المجتمعات لاكطفيلي منبوذ ومدعاة للسخرية والاستهزاء كماهو حال أكثرهم الآن. وعليه ان يبني لابناءه بناء صحيح كما هم أهل هذه البلاد من التعليم والتربية الاجتماعية الصحيحة لا ان يكونوا بؤر للفساد والجريمة والتخلف كماهو حال أكثرهم الآن. وإذا كان رأي احدهم مثلا ان يلبس الثوب القصير وهو في ريعان شبابه ويطلق لحيته ويحرق السيارات والمحال التجارية والممتلكات الخدمية العامة( فقط لأنه يريد ان يصلي صلاة التراويح ليلا ويقطع بها سير الشارع العام خارج المركز الديني المخصص لذلك) وينشر الخراب في أرجاء المدينة لمنعه من ذلك, اعتقد انه في المكان الخاطئ هنا وان على أوربا ان لاتتهاون في ذلك لأنه يسيء الى المسلمين أكثر مما يسيء لغيرهم. وبما ان النظام الأوربي مبني على تقييم مستمر للقوانين واستبدالها دائما بالأنجع والأكمل وتلافي الأخطاء مهما كان مكانها وسببها فاعتقد ان هذا التهاون لن يستمر كثيرا بعد ان تبين من كل التجارب والإحصاءات ان التركيبة الشرقية لايمكن ان تساس إلا بالطريقة الشرقية وهذا هو سبب أكثر التغييرات في قوانين الهجرة واللجوء والإقامة في السنين الأخيرة. alzedyy@yahoo.de ألمانيا - فرانكفورت