تابع العراقيون باهتمام ما حدث من تغييرات جوية هذا العام، وما صاحبها من هطول كميات كبيرة من الأمطار كان البلد بحاجة ماسة إليها، بعد ما أصاب التربة من جفاف ونضوب في البحيرات، والأهوار، وشحه لجريان ماء الأنهار يكاد يلامس قعرها، بسبب السياسات الشاذة للدكتاتورية والطغيان، التي فرطت بالمياه أما بتوجيهها نحو الخليج أو باتجاه مجاهل الصحاري التي تبتلع كل رطب وندي . وفجأة نقلت لنا الأخبار انقلاب المعادلة فتحولت الأمطار إلى سيول جارفة أجهزت على البيوت الطينية لمساكين ومعدمي الوسط والجنوب وتركتهم لأقدارهم في العراء متضامنة مع جور الزمن بالرغم من بحيرات النفط الهائلة الطافية تحت أقدامهم الحافية التي تكويها تربة ملتهبة ومستنقعات راكدة، وأن استخرج من نفطها شيئا فان غالبية ريعه يذهب من نصيب آخرين . في الجنوب ميناء العراق الوحيد، وفيه نفطه، ومزاراته المقدسة التي تدر رزقا وفيرا يحاول أولاد الحرام قطعه، أما بهدمها أو نبش الأجساد الطاهرة الرابضة في هذه المزارات المقدسة، وهنا ينطبق المثل القائل ( يأكل ما في الماعون ويرفسه )، كل هذا والشعب ساكت مطيع، امتثالا لما تريد المرجعية، وتماشيا مع سياسة الدولة والحكومة، التي توزع الموازنة على محافظات العراق حسب نسبة السكان، بل تختص محافظات معينة باهتمام أكبر من محافظات الوسط والجنوب، كي لا يقال أن هناك خلل وزلل . تعد العدالة واحدة من المقاييس المهمة التي اعتمدها الإسلام في التعامل بين المسلمين مع بعضهم البعض أولا، ومع غيرهم من باقي البشر والأجناس ثانيا، وهذا لا يعني أن كل شيء مثالي ومقبول، وفق المقاييس المبدئية للإسلام، لاختلاف الثقافات والفهم بين الأفراد وكذلك النوازع البشرية، لذا فليس مفاجأ أن نرى تجاوزا وطمعا يفتعل في النفوس فيصيب الحيف أناس وينعم في الحياة غيرهم، ولكن المفاجئ والغريب هو أن الضحية قانع والمتجاوز الميسور يتأفف ورافض، بل يحسد التعيس على تعاسته، وهذا ما أماط اللثام عنه تهاوي الأكواخ و (سوابيط ) الطين فوق رؤوس الأطفال والعجائز ومن ( سلق ) جفاف شظف العيش جلودهم، فأي معادلة صعبة هذه ومن يستطيع أن يفك طلاسمها مع تصاعد وتيرة القتل المتوحش الذي يتلذذ بممارسته حثالة المجرمين . لقد خلقت السياسة العثمانية الباطلة معادلة متناقضة وقاسية تركت آثارها المجحفة على قوم وبسطت يدها على آخرين فمنطقة شمال بغداد أراضيه طابو وصالحة للزراعة وتنهل من ماء عذب وفق مقاييس البيئة وبعيدا عن مخلفات المصانع وشوائب الصرف الصحي، وعلى العكس من ذلك يولد أبن الجنوب وهو لا يملك من حطام الدنيا شيئا، وحاله لا يختلف عن الأجير الذي يكدح كي لا يهلك، لأن قوانين الإصلاح الزراعي التي هي امتداد للسطوة العثمانية لم تعطه شيئا، وكل ما فيها يشجع على خلق الفوارق بين أبناء المجتمع الواحد واستمرارها، لذا فأنني أطالب بإيجاد صيغة لأنصاف الفلاح في الوسط والجنوب، من خلال دراسة واقع حال الأراضي الزراعية أولا، وتفعيل مشاريع النهضة الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي ثانيا، وإنشاء السدود التي تنظم دورة المياه والبزل ثالثا، وتبني خطة أرشاد وتوعية زراعية تربط الإنسان بأرضه رابعا، فمن هذا الارتباط تتولد روح المواطنة وتنهض الأمم .
مقالات اخرى للكاتب