لأن اقتناء سيارة في الولايات المتحدة ليس ترفا انما حاجة ماسة ، فقد شمرت عن ارداني وانا حديث العهد بهذه البلاد والعباد وقررت "حالي حال العِبرية" شراء سيارة توفر عليَّ ذل السؤال وتيسر التنقل من والى العمل . فساقتني الاقدار الى بائع سيارات مستعملة "Dealer" من اصل ايراني بلغ مرحلة التديلُر " المصدر من نحتي" بشق الانفس بعد ان اوشك ان يُداس هو وزوجته وابنتهما تحت عجلات حادلة الجانب البشع من النظام الراسمالي . توثقت العرى بكاظم بعد ان عرف انني اتحدث لغة قومه وانني امضيت في بلاده اكثر من عقد من الزمن فكشف لي جانبا من اوراقه . كان صاحبنا بالامس القريب يكدح ليل نهار ويتلقى بعض المساعدات الحكومية "Food Stamp" وهو بالكاد يقوى على ايواء واطعام عائلته الصغيرة . ام جواد ، امرأته بدأت تتذمر في داخلها وتقارن بين رفاه العيش في طهران والضائقة المالية والعزلة التي تعاني منها الان وراحت تحثه على العودة ويحثها هو على الصبر الجميل . في الخفاء كانت تشتري اسبوعيا بطاقة اليانصيب بدولار واحد دون علم زوجها الذي ترتبط به بعلاقة رومانسية رغم الورطة التي ورطها فيها بنية حسنة . عاد من العتالة ذات يوم خائر القوى منهارها مساء وكل الخيارات الرحمانية و الشيطانية تنخر كالعثة في دماغه ، فاستُقبل ببشاشة غير معهودة وما ان استقر به المقام على الاريكة المتعوبة اكثر من جسده حتى جاءته ام جواد بخمسين الف دولار عدا ونقدا افقدته صوابه . رفض استلام المبلغ كونه قرضا سيشكل عبئا عليه لكنها عاجلته بايصال "اللوتري" الفائز فلم تسع الارض فرحته . "خذها بشرط واحد وهو ان لا تحدث اي تغيير في حياتنا اليومية حتى اذا فقدناها لا نشعر بكارثة الصعود والهبوط الى المربع الاول مجددا " . هكذا اشترطت عليه . "لكننا بحاجة الى كل شيء في البيت بما في ذلك عدة المطبخ التي باتت تخجلنا امام الضيوف" . اصرت على شرطها فلم يجد ابو جواد ندحة سوى الاستجابة للشرط القاسي . فقد اصبحت بين عشية وضحاها مصدر المال بعد ان كانت مصدرا للعيال فقط . قلّب الرجل امره وانتهى به المطاف بان يشارك آسيويا في البدء ببيع سيارات مستعملة مناصفة اي براس مال قدره مئة الف دولار. وهذا المبلغ كان في مطلع التسعينيات يعادل ما قيمته الان نصف مليون تقريبا . كان لا يسيطر على تدفق دموعه وهو يرى استقبال ابنته الحار عندما يعود الى الشقة البائسة خائفا من تبدد الصاية والصرماية "ليس بالمعنى الشامي" في بطون قروش المال . التزم بشرط ام جواد "لا اتذكر اسم ابنتهما" فوضع كل البيض في سلة المشروع الذي لا يعرف عنه شيئا وهو لم يكن يجيد اللغة الانكليزية معتمدا على رفيق دربه الصيني . خلال اقل من عام تضاعفت الالاف الخمسون فانتقلت حياتهم داخل البيت الى طبقة اخرى، في العام الثالث اشترى بيتا جميلا دون الحاجة الى قرض عقاري . في العام الرابع فك الشراكة مع الصيني بكل وئام واستفرد بالبزنص . في العام الخامس استدعى اخاه ( علي رضا) من ايران ليدير مشروعه المتضخم وكان حينها الاقتصاد الاميركي في زمن المراهق كلينتون يمر في فورة اقتصادية ، ما اطلق عليه في حينها "جموح ايجابي" . عندما اشتريت منه الكرايسلر المستعملة عام ٩٩ كان يسكن في دار ريفية لا يعرف اين حدود حديقتها الخلفية لان سياجها البعيد يختفي وراء غابة من الاشجار والزهور . حينها لم يكن يفوت فرصة الا واعرب فيها عن امتنانه لخطة ام جواد الصارمة . ثم حال بيننا الموج ، انتقلت الى فرجينيا وبقينا على اتصال هاتفي ، ثم شعرت ان التذمر بدأ يدب في مجرى عروقه تدريجيا ... يقول انه ذات يوم استدل على زميلة ابنته التي كانت تزورهم في البيت ، بمساعدة الهاتف النقال بعد ان وصفت له ملامح الغرفة التي اختفت فيها ... فتصوروا حجم البيت وعدد غرفه . يقول انه اصبح لا يلتقي ابنته الا في المناسبات بعد ان كانت تتقاسم معه غرفة نومه وهي الغرفة الوحيدة في البيت . اما زوجته الحكيمة فقد حولت البيت الفاره الى ما يشبه مجمعا تجاريا لتسويق الالكترونيات فاصبح اللقاء بها وتبادل القصائد الرومانسية ضربا من الخيال . في آخر حوار اقسم لي " به حرضت علي" بانه بدأ يلعن اليوم الذي فازت به ام جواد بورقة اليانصيب مذكرا بانه لم يلتق بابنته التي يحبها بجنون منذ نحو اسبوع . حتى هو فقد بمرور الايام الكثير من مرحه الذي كان يتجاوز به الكثير من محنه ايام التقشف القسري . كاظم الايراني هو صورة حقيقية لما سنكون عليه في القادم القريب من الايام دون ان نمتلك بيوتا فارهة . ومن لم تدهس عجلات تكنلوجيا الاتصالات منظومة علاقاته الاجتماعية حتى الان ، فهو وعلاقاته مدهوس غدا او بعد غد باذن الله ، ومن ظن انه في مناى عن هذه الحادلات الكاسحات الماحقات ، فهو يعيش حالة من التفاؤل الطوباوي الذي هو اضر كثيرا بالانسان من التشاؤم . كلنا كواظم عاجلا ام عاجلا ... ولتسمعن نباه بعد حين..
مقالات اخرى للكاتب