أحدى أهم الظواهر السلبية التي لابد من تصحيحها حالة الفوضى التي تسود شوارعنا وارصفتنا، فالتجاوزات بلغت حدا لا يطاق، والاستهانة بالمارة بات ثقافة سائدة، وان عشرات السنين الاخيرة محت بيئة نظيفة وعقول متسامحة ومفاهيم راقية اثمرت خيراً كثيراً، في ماض قريب تعامل أجدادنا مع ما يملكون بروح اشتراكية، كان المالكون يهبون جزءا من اراضيهم للأوقاف، ومن لا يملكون اكثر من دار واحدة يتركوا جزءا من ارضهم لتوسيع الشارع عند البناء، سلوك يبعث على الطمأنينة ويرسم صورة جميلة عنوانها عريض يقول بان ارادة الخير هي السائدة، والمؤسف اليوم ان الصورة أضحت مقلوبة راسا على عقب، والتجاوزات صارت سمة شوارعنا، وحالة من الفوضى متفشية، لم يكتف البعض بالتجاوز على الأرصفة ومضايقة الراجلين، بل نافس السيارات بطريقها الأسفلتي، حتى اضحت بعض الشوارع الواسعة اليوم لا تتسع لمسير سيارة واحدة، وبين الواحدة والاخرى يسير المارة ، ونصائح السلامة التي كنا نسمعها من آبائنا ومعلمينا نجد اليوم حرجا في قولها لأبنائنا، فلو قال أحد لولده: بني سر على الرصيف بعيدا عن السيارات، فسيكون جوابه حتماً: اين الرصيف؟ فالأرصفة أضحت ملكا لأصحاب المحال والبسطات، سورها بعضهم بأسيجة حديدية وآخرون رصفوا التي أمام محالهم بالسيراميك والمرمر، وقد سمعت يوما أحدهم يزجر المار لأنه ترك بمروره بعض الطين على السيراميك، لم يكتف بعضهم بهذا بل يمنع السيارات من الوقوف أمام محله ولمسافات تتجاوز الامتار بعمق الشارع، بوضع موانع مختلفة حديدية وبلاستيكية (طرابيش) تتدلى بينها السلاسل وكان الشارع ورثوه عن ابائهم، ولم يبقوا هؤلاء للراجلة سوى خيار النزول الى الاسفلت ومنافسة السيارات بما تبقى من الشارع المسروق، فكثير من الشوارع اليوم أضحت مكتظة بتزاحم السيارات مع المارة، وأخرى أغلقت تماما امام المركبات وعليها سلوك طريقا آخر، أما الحالة الفريدة في شوارعنا دوناً على بلدان العالم وجود (مطبات أهلية) أتخذت اشكالا مختلفة، أكوام من الاتربة، وأغصان الاشجار اليابسة، لكن أغربها وضع الحبال الغليظة التي تعترض الشارع ، وغالبا ما تستخدم المستهلكة من ربط السفن الكبيرة، وهذا ما يفسر شيوع هذه الظاهرة في البصرة لكثرة حبال السفن المستهلكة، ولهذا النوع من المطبات تأثيرها العجيب على السيارات والراكبين على حد سواء، انا شخصيا علمتني درسا مهما لن انساه ما حييت، كان ذلك في الايام الاولى لدخول هذه الطريقة المبتكرة حيز التطبيق، وبحكمة ناقصة لم آبه للحبل المسجى، بقيت على نفس السرعة، لكن فعله كان اقوى بكثير مما تخيلت، اصطدمت هامتي بسقف السيارة، أصابني الدوار، أما سيارتي فلم تكن أفضل حالا، وامضيت نهارا كاملا للإصلاح ما أصابها، من يومها عاهدت نفسي أن أحترم هذا النوع من المطبات احتراما خاصا .
تحدثت يوما مع أحد المتجاوزين معاتبا اياه مستنكرا فعله، وختمت حديثي معه بسؤال غبي: الا تعتبر تجاوزك على طريق الناس عيبا وعملا مخالفا للشريعة، جوابه كان مقتضبا، لم يقل غير عبارتين :(العيب بالجيب)، يبدو ان الرادعين الديني والاخلاقي تعطلا عند الكثيرين، ما يبدد من احلامنا في اللحاق بركب البلدان ، وان المشكلات التي ورثناها بدأت تتوالد وتتكاثر . قبل ايام التقيت جاري وصديقي عماد والذي عاد للتو من ايران بعدما اكمل فيها دراسة الماجستير حيث قال: الشارع الذي امام الشقة التي كنت اسكنها يتسع لعدة سيارات رغم أن الحي متواضع وبيوته بسيطة، والاشجار التي تحيطه تخطف الانظار، ولا يسمح باستئصال شجرة ميتة الا بموافقة بلدية الحي، وطوال مكوثي هناك للدراسة لم اسمع زعيقا لبائع او تجاوزا على رصيف، وقال كلاما آخر لم اميزه، فلقاؤنا في السوق واصوات (الحاجة بألف، ونكي بيدك) كانت أعلى من صوته، عبارات السيد عماد ضاعفت من المي، واثار بداخلي سؤالا كبيرا: متى نلحق بركب البلدان الاخرى؟ كما جعلني اترحم على المغدور (مكي التميمي) رئيس لجنة رفع التجاوزات في محافظة البصرة.
مقالات اخرى للكاتب