تقول واحدة من شطحات شعرنا الشعبي وأعتقدها غير جازم لـ"جودت التميمي" كَطعت النملة جزيرة وما تخطا شبر تمثال الرصافي، أوردتها في مقدمة هذا العمود لأنها تتطابق وحال الكهرباء في بلاد الرافدين المهددين بالجفاف، وبلاد الغبار المطمئن إلى توسع. تمثال الرصافي يتحرك ويتنقل في أفئدة الناس وعقولهم، لكن الكهرباء الوطنية يبدو أنها تحولت إلى مركز لصناعة الكوميديا الإعلامية، وهذا الأمر قد جعل منها مركزاً للإثراء بعيد الأجل، والأمر واضح من الميزانيات الهائلة التي تم هدرها دون طائل، رغم أن السيد الشهرستاني نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة كان عالما، وقدم استقالته من البحث العلمي ليتصدر عملياً ملف الكهرباء في بلاد الغبار والأكاذيب، وما العلم كما يقول باشلار إلا تاريخ أكاذيب. وهذا أنصع تبرير لانتقال السيد الشهرستاني من العلم إلى السياسة، مرفقا بابتسامة بلا لون.
وأعود إلى النملة فسلوكها كما يبين الباحثون لا يقبل الكذب بتاريخيه العلمي والكهربائي عراقياً. لقد حدث أن قرأت حكاية تتحدث عن نملة مسكينة أوقعها أحد الباحثين في مسالك النمل في خدعة قاتلة. وملخص الحكاية ان الباحث وضع مكعبا من السكر في طريقها، وقد كان المكعب الذي أدهش النملة المسكينة يمثل جبلاً هائلاً بالنسبة لحجمها، فراحت النملة تدور حول المكعب بانشغال هندسي، وبعد أن انتهت من الدوران والقياس ذهبت مسرعة إلى مملكتها، وما هي إلا لحظات حتى تسارعت قوافل النمل متجهة إلى مكان المكعب تتقدمهم النملة المخدوعة، وقبل أن تقترب جيوش النمل من موقع المكعب، قام الباحث برفع المكعب، وحين وصلت قوافل النمل تتقدمهم "صاحبتنا" لم يكن هناك أي أثر للمكعب، توسطت النملة الجموع وكأنها تحلف "يابه والعباس اهنا كان جبل الشكر" وعلى مضض عادت القوافل باتجاه عواصمها وخلفهم تجر النملة المخدوعة خطى الحيرة، ولأنها في حالة من الذهول وعدم تصديق ما جرى توقفت فجأة، وقررت العودة إلى مكان المكعب المفقود، لحظتها قرر الباحث في مسالك النمل إعادة المكعب وحين وصلت ورأته ذهبت مسرعة إلى قومها وهم لبوا النداء فقام الباحث برفع المكعب وتكرر المشهد والحلفان. في المرة الثالثة وبعد أن توسطت النملة الجموع وهي تحلف صدر قرار بإنهاء حياتها الشاذة عن مسالك النمل، وهكذا زحفت عليها الجموع وأبادتها.
الكذب الذي يمارسه المتنفذون في غرائبية الكهرباء كثر ولا يقتصر وجودهما في الحكومة، فقضية الكهرباء الوطنية حالها حال العملية السياسية استيرادا وعقودا وهمية وأزمات وابتسامات بلا لون.
مقالات اخرى للكاتب