ان الطائفية اصبحت واقع حال مجتمعي لا يمكن القفز عليه بالكذب والنفاق السياسي والاعلامي وحتى النفاق المجتمعي البريء او الماكر. ان المشكلة الطائفية صحيح قد تكون مشكلة كامنة في العقيدة الدينية التي تختلف بها مكونات الشعب. لكن هل الانسان البسيط فعلا واعي لتلك الاختلافات؟؟! ام ان الخلافات الدينية وما روج اعلاميا عنها من قبل الاعلام العربي المسيء اثمر عن كره وحقد اعمى بغيض دون تبصر في حق وحقيقة ومنطق وواقع؟؟ اصبحت القلوب عمياء واصبح الاعلام المسيء مقدس للكثيرين من ابناء الوطن اصبح الحقد الطائفي حالة مجتمعية واصبح الانسان البسيط غير الملتزم دينيا لربما اكثر طائفية من الملتزم دينيا. ان هذا الحقد اصبح عبارة عن فكر اجتماعي للمكون. ان هذا الفكر في التنافر والرفض والكره اصبح ظاهرة لعراقنا الجديد اي ان الطائفية اصبحت فكر مجتمعي وليس ديني فقط فكر وكانه عرقي وليس طائفي ديني. اي ان كل طائفة وكانها اصبحت عرق مختلف رافض للعرق الاخر (الطائفة الاخرى). ان ابسط مواطن في عراقنا الجديد اصبح بسبب انتماءه المجتمعي الطائفي رافضا لاي مسؤول من الطرف الاخر ولا يتجاوب معه حتى لو كان صالحا الا فيما قل وندر.
اعيش انا في بغداد التي يتكون مجتمعها من مناطق ذات اغلبية سنية واخرى ذات غالبية شيعية واخرى خليطة واخرى تحتوي على مكونات مختلفة. ان الناس اليوم في مجتمعي البغدادي المتنوع اصدقاء وزملاء اراهم متناقضين جدا بحديثهم وارائهم بالازمات والمشاكل المجتمعية والسياسية والوطنية رغم انهم يعيشون في مكان واحد، وهنا يمكن القول هو فقدان الهوية الوطينة الجامعة والافتقار لها. ارى المكون السني من الزملاء والاصدقاء يحمل حقد وضغينه في صدره على الحكومة والمالكي بالذات ويحكي وينتقد وكأنه لا يوجد في الحكومة سوى المالكي وكان الحكومة شيعية بامتياز ولا يوجد اي وزير سني فيها!!! كما ان اي محاسن للحكومة ان تم الاعتراف بها سوف توصف وكانها للسنة فقط. رغم اننا جميعا نعيش في مجتمع واحد ولدينا نفس الحقوق والواجبات نتعرض جميعا لنفس المعاملة من السلطة في مؤسساتها المختلفة الامنية وغير الامنية (سواء اكان ما نتعرض له حسن ام سيء). ان ما يتعرض له الانسان العراقي من الظلم ليس سببه شخص المالكي وانما الاخلاق المجتمعية التي نشأ عليها الانسان العراقي وترسخت فيه لعقود طويلة. حيث ان الانسان عانى من الدكتاتورية والظلم والقهر والتجبر وعدم احترام حقوق الانسان ومن الصعوبة التخلص من رواسب ذلك اليوم. اضافة الى عدم وجود تشريع قوانين صالحة تحمي الانسان وهذا كله تقصير المنظومة التشريعية والرقابية اي قصور في عمل مجلس النواب بالدرجة الاولى ثم الحكومة بالدرجة الثانية وذلك كله جاء كثمرة للعملية السياسية العرجاء التي اسس لها الاحتلال في العراق. ان مؤسستي الحكم التنفيذية والتشريعية فيهم اخفاقات كثيرة وعجز وتعكز على الوهم والاخطاء والسوء فهما لم يعملا على التشريع لقوانين صالحة ولم يبادروا لتصحيح النظام المؤسساتي والتربوي في البلد. لازال هناك فساد ودكتاتورية قد يمارسها ابسط موظف احيانا وفي اي مؤسسة من مؤسسات الدولة. اضافة الى استمرار ظاهرة ابتزاز المواطن ليدفع هدية هنا ورشوة هناك. فالقانون دائما يحمي الموظف ولا يحمي المواطن حتى لو كان الموظف هو المسيء وللاسف حتى الان لم تنشا مؤسسة صالحة لحماية الموطن وحفظ كرامته وحقوقه من الامتهان في مؤسسات البلد المختلف وهذا يشمل جميع ابناء المجتمع ولا يخص طائفة معينة بالذات. ولكننا نلمس الطائفية موجودة في اغلب مؤسسات الدولة بسبب التخندقات الطائفية التي خلقها الاعلام المسيء والذي روجت له العديد من القنوات الفضائية السيئة مثل ( الجزيرة والشرقية والعربية وبعض القنوات البغيضة الاخرى) وعملت على ترسيخ الطائفية في فكر الانسان البسيط. العراق له مكونات عديد عرب كرد تركمان واشوريين وكلدانيين ويزيدين لكن نسبة الشيعة الكلية في العراق ما بين 65-70% والمكون الكردي ما يقارب 12-15% والسنة العرب بحدود 15% والمكونات الاخرى بحدود 5%. وهذه النسب بالتاكيد ستفرض مخرجات انتخابية بنسب مشابه وقريبة نوعا ما الى النسب السكانية للمكونات، والتي يرفضها البعض ويريد ان يشارك باكثر مما اعطته صناديق الاقتراع بالاعتماد على الاعلام التشويهي والتكفيري وعلى العصابات التي تحمل السلاح.
ان اخي الموطن السني الذي يعيش معي بنفس المنطقة المفروض انا واياه نعاني من نفس المشكلة والماساة في الخدمات ونعاني من نفس السوء في التعامل عندما نراجع المؤسسات الحكومية ولا يعاني هو اكثر مني بهذا الخصوص. فهل زميلي وصديقي السني يعاني من سوء في عمله او ان هناك اهانات توجه له في عمله؟ هل هناك امتيازات للشيعة هو لا يحصل عليها في عمله؟ هو يعيش مثلي في احياء بغداد: نشتري المنتوجات النفطية بنفس السعر ونملاء الوقود للسيارات بنفس السعر ونعاني من نفس الموظفين في مؤسسات الدولة. هو مثلي يعاني من سوء الخدمات البلدية هو مثلي يعاني من عدم تطبيق القانون بشكل سليم احيانا هو مثلي يعني من الفوضى واللانظام. اذن لا يمكن ان نقول ما يقوله الاعلام المسيء عن التهميش واتهام حكومة المالكي بانها تهمش المكونات الاخرى، ومن خلال هذا يتبين للجميع ان المشكلة ليست محصورة برئيس الوزراء الشيعي وانما المشكلة بنظام الحكم المعوق الحالي والقوانين القديمة التي بحاجة الى اصلاحات كثيرة. الاصلاح لا يمكن ان تتم المباشرة به الا بعد الاعتراف وبصراحة ودون تجميل ونفاق وكذب بوجود مشكلة طائفية وعرقية وازمة ثقة ويجب ان نحدد حجم المشكلة الطائفية والعرقية واسبابها والاليات المنطقية والتربوية والاجتماعية الصحيحة لحلها.
توجد ازمة حقيقة فيما يخص الهوية الوطنية العراقية بسبب نشوء قدسيات تشرذمية صغيرة على حساب الهوية العراقية. هل توجد هوية وطنية عراقية يمكن ان تجمعنا فعلا؟! وما هي المشكلة في ذلك؟ وما هي الازمة الحقيقة التي تبعدنا عنها؟ وهل فعلا كان هناك هوية وطنية عراقية جامعة ام انها عبارة عن كذبة فقط؟! وهل توجد اليوم هوية وطنية عراقية مقدسة؟ لقد ظهرت هويات انتماء متعددة (عرقية وطائفية) عنصرية ذات رؤى ضيقة الافق ادت الى اغتيال اي فرصة لنشوء قدسية هوية وطنية عراقية جامعة. اذن المشكلة اليوم هي ترسخ الطائفية في فكر المجتمع ببركات الاعلام المسيء. كما ان الطائفية المقيتة انجبت لقيطها التكفيري ليعيث في الارض فسادا وينشر القتل والتفخيخ والتفجير اينما حل في ارض الوطن. ان الطائفية ترسخت وتصنمت بقدسية بلهاء في خانات جهل العقول واللاتيقن. اصبح كل المكونات رفضة لبعضها البعض من دون نقاش ومن دون وعي او تمييز بين حق وباطل.
ان صديقي وزميلي السني يرفض ان يقود العراق اي شيعي ويرفض ان يكون المسؤول شيعي وحتى لو ذهب المالكي سيبقى ابن وطني السني يقول على الحاكم الشيعي صفوي وطائفي واشياء اخرى. ان الثقة فقدت تماما بين المكونات الشعبية العراقية المختلفة لا يمكن ان تعود الثقة بالكذب والنفاق الاعلامي لا يمكن ان تعود الثقة بظل هكذا جهل وفوضى ودمار وحقد وانتشار للقتل واالتكفير. تجولت قبل اشهر في مناطق شعبية مختلفة في بغداد: ففي منطقة ذات اغلبية شيعية كانوا يعانون من سوء الخدمات سمعتهم بالم ينطقون شكواهم ويقولوا ؛؛لان المنطقة شيعية الحكومة لا تهتم بها لان الحكومة تريد ان ترضي السنة لكي لا يقال عنها طائفية؛؛ وعندما تجولت في منطقة اخرى ذات اغلبية سنية تعاني من سوء خدمات ايضا سمعتهم شكواهم ايضا وهم يقولوا ؛؛بان الحكومة غير مهتمة بهذه المنطقة لانها سنية وان الحكومة تنتهج نهج طائفي؛؛ طبعا الكلام مؤلم لانه اصبح وكانه حقيقة وهنا بالتاكيد يمكن اقول يوجد تقصير في الخدمات في كلا المنطقتين لكن اين ممثلي هذه المناطق في المجالس البلدية ومجلس المحافظة ومجلس النواب؟!!. لماذا لا يطالبوا بحقوق مناطقهم بدلا من كيل الاتهامات للحكومة ان الطرفين الشيعي غير راضي عن مستوى الخدمات والسني ايضا غير راضي وكلاهما يتهم الحكومة مع اختلاف توصيف التهمة والتقصير. ان الاختلاف في الراي وما ينجم عنه من دموية اصبح ثقافة طائفية قبيحة متجسدة في المجتمع رغم اننا جميعا نعيش في نفس المنطقة ونفس المدينة والحي والشارع. ثقافتي ووعيي في تحسس الامور العامة مختلف تماما عن ثقافة ووعي جاري وابن وطني السني! وكاننا لا نلتقي ولا نتحدث ولا ننظر لما يحتاجه اهلنا وحينا ومنطقتنا! وكأن المشكلة هي في الحاكم فقط ! ومن يحكم فقط ! هل هو شيعي ام سني؟!
مقالات اخرى للكاتب