بعد انتظار طويل لتصديق نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا تم تحديد موعدا لعقد جلسة البرلمان الاولى التي انتظرها الشعب بفارغ الصبر و انفاس حبيسة وعيون ترنو الى قشة خلاص علها تنقذنا من واقع اقل ما يقال عنه انه مميت وبلد ينحر فيه ابناءه بدون ذنب سوى انهم ولدوا فيه .. 

اقول نفذ مجلس الرئاسة الدستور بمادته ( 54 ) التي تنص على ( يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسومٍ جمهوري، خلال 15 يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لاكثر من المدة المذكورة آنفاً) ودعا مجلس النواب الى عقد الجلسة الاولى وهكذا كان انعقدت الجلسة الاولى وادى الاعضاء اليمين الدستورية ايذانا بمباشرته باعماله والاهم من ذلك استحقاقاته وامتيازاته المالية ولكن يبدو ان النواب الافاضل لم يكملوا قراءة الدستور فالمادة ( 55 ) منه (ينتخب مجلس النواب في اول جلسة له رئيسا ثم نائبا اول ثم ثانيا، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر.)  وهذا يعني انه لا بد من فتح باب الترشيح لمنصب رئيس مجلس النواب ونائبيه ليتم الانتخاب السري المباشر لهذه المناصب الثلاثة   ، و من ثم انتخاب رئيس الجمهورية ، ليكلف بدوره رئيس وزراء (متفق عليه مسبقا) لتشكيل حكومته  وهذا اول خرق دستوري وفي الجلسة الافتتاحية !!  وبدلا من ذلك رفعت الجلسة لمدة نصف ساعة ( للاستراحة ) وهذا من حقهم  فاليمين الدستوري كان متعبا جدا وكذلك الرمي بالشتائم والتنابز بالكلام بتهم معيبة  بين نواب بعض الكتل .  وبعد العودة من الاستراحة لم يحضر اغلب النواب الذي حضروا في النصف الاول منها فرفعت الجلسة لعدم اكتمال النصاب ولكنها بقيت مفتوحة خلافا  لقرار المحكمة الاتحادية في عام 2010 بعدم دستورية الجلسة المفتوحة. 

ويبدو انه ليس فقط الدستور الذي يخرق و انما حتى فتاوى المرجعية التي شددت على "ضرورة الاسراع بتشكيل الحكومة الجديدة تمثل كل مكونات المجتمع العراقي بدون تهميش لاي جهة او مكون من مكونات الشعب العراقي "، من اجل انقاذ ما تبقى من العراق وهي فتوى لاتقبل التاويل ولا التفسير فهي واضحة كل الوضوح  ولكنها ضربت عرض الحائط ايضا مثلما  تجاهلت رغبة الشعب ومصالحه ومطالبه المشروعة وهنا لا بد لنا ان نسال السادة النواب اذا لم تطبقوا الدستور ولم تلتزموا بفتوى المرجعية الرشيدة فباي ناموس بعدها ستلتزمون ؟؟ 

نعم . التركة ثقيلة وما خلفه البرلمان السابق تكاد تنوء منه الجبال ولكن كان من الممكن ان تثلجوا قلوب العراقيين الظامئة  بقليل من الالتزام ورشة من الشعور الوطني وملعقة من تحمل المسؤولية التي في اعناقكم بعد ان صيركم الشعب تحت قبة البرلمان وبعد ان اديتم القسم الذي حنثتم به بعد دقائق معدودة !! وتحققوا الاستحقاق الانتخابي بانتخاب الرئاستين على الاقل ولكن ذلك لم يحدث وذهبت امال المنتظرين خلف شاشات التلفاز ادراج الرياح و وأدت احلامهم في ان يكون البرلمان الجديد مختلفا عن سابقه بان يسمو على جميع خلافاته السياسية ويتجه بأنظاره الى الكوارث التي مابرحت تفتك بجسد العراق ولا يجد من يلثم جراحه لا ان يكون نسخة ثانية عن البرلمان السابق في الانشغال بكيل الاتهامات والصراعات السياسية و تأجيل الاستحقاقات الدستورية و الازمات الى اشعار لن يأتي و الاكتفاء بتحصيل الامتيازات المالية غير ابهين بالأرواح المطحونة التي تبحث عن ملاذ امن تحت خط النار الذي شتت احلامهم بالأمن والاستقرار . 

انتهت الجلسة الاولى للبرلمان بفشل ذريع وخرق دستوري سافر وسط واقع ممزق لا يحتمل التأجيل و دعوات ملحة من مختلف الاوساط بالوصول الى  نتيجة تخرج البلاد من عنق الزجاجة ومن شفير الهاوية  بل انها اجلت اسبوعين تقريبا وهذا يعني مزيدا من الدماء والكثير من الضحايا المدنيين و ألاف من النازحين الهائمين في الصحراء يبحثون من ملجأ و مأوى . 

لقد بدت الجلسة الاولى للبرلمان اشبه ما تكون بالأيام الاخيرة للبرلمان السابق حيث الخلافات السياسية وكيل  التهم وترحيل المهام الى اجل غير مسمى الى ان انتهى بتركة ثقيلة بدلا من ان ترتقي بمستوى تطلعات العراقيين الذين وضعوا فيه ثقتهم وترسم خارطة طريق جديدة لمستقبل مشرق فولد عاجزا مشوها بدأ بكفر دستوري و لا ندري الى ماذا سينتهي !؟