بحديث واضح لا يقبل التأويل أو "سوء الفهم" قالها المدان الهارب طارق الهاشمي لوكالة رويترز: "يجب أن يكون لحزب البعث دور لكي يتم التوصل الى حل سياسي في العراق". قبل هذا بأيام أدلى الهاشمي من مكتبه في الدوحة الى صحيفة محلية بحديث طائفي حدّ النخاع فلم يقل جملة إلاّ وذكر فيها "العرب السنة" في عملية استدرار واضح للدعم السياسي والمالي الخليجي. قدم نفسه زعيما للعرب السنة، متمّلقا مضيّفيه بالعقال والكوفية الحمراء ونعال "تميمة" القطري. لكنه نسي أنه سبق وتملّق لأردوغان في أول زيارة له بأنه (الهاشمي) من أصول تركية سلجوقية وان عائلته كانت ضمن الجيش العثماني. هنا يصبح الهاشمي عربيا "دمج" كأولئك الذين ادعى انهم يشكلون غالبية القوات العراقية في الموصل وان ذلك كان سبباً في هروبهم أمام "داعش"، رغم أنه يعلم جيدا أن غالبية تلك القوات، قيادات وجنوداً، هم من أبناء الموصل وضواحيها من عرب وكرد.
قبل دعوة الهاشمي الى إشراك حزب البعث في العملية السياسية، كان الرئيس الاميركي باراك أوباما قد دعا في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز الى تشكيل حكومة تضم "كل المكونات" قاصدا بذلك السنّة كما يرد صراحة في أحاديث مسؤولي ادارته. رغم ان أوباما يعلم جيدا أن رئاستي البرلمان والجمهورية انتخبتا قبل حديثه بأيام من بين السنة وليس غيرهم وبقيت واحدة للشيعة (رئاسة الوزراء) كانت تنتظر الحسم. هو يعلم أيضاً أن الانتخابات الاخيرة التي أشادت بها إدارته، أفرزت سنّة ممثلين لمكونهم وأن الوزارات السابقة - والحالية - يشارك فيها السنة بوزراء ووكلاء بما يفوق حتى نسبتهم السكانية. ألا يمثل هؤلاء العراقيون السنة برأي أوباما؟ ترى أي نوع من السنة يقصد؟ هل يرى السيد أوباما البعثيين فقط ممثلين للسنة؟ يبدو ذلك صحيحا لسببين، الاول: أنه تحدث في ذلك الحوار نفسه عن خطأ قرار اجتثاث البعث وضرورة تصحيح الامر، والثاني: ان اجتماع عمّان لـ"القوى غير المنضوية في العملية السياسية" كان برعاية وضغط أميركيين على الاردن لاحتضانه. قوام المؤتمر كان البعثيون العسكريون والمدنيون .
لنتذكر أيضا ان أول مطالب القوى التي نظّمت وقادت حركة التمرد في الانبار قبل عامين والتي تبنّاها ممثلوهم في البرلمان، كان إلغاء اجتثاث البعث وإعادة ضباط الاجهزة الامنية السابقة.
لنتذكر أيضا ان "حصة كولبنكيان" من واردات النفط الموضوعة في بنوك سويسرية والتي لم يعرف أحدٌ مصيرها حتى الآن، كانت مخصصة "لتمويل عملية عودة حزب البعث الى السلطة في حال فقدانها".
لنتذكر أيضا اجتماع "أبناء البعث" في عمّان نهاية العام 2009 واتفاقهم على دخول الانتخابات بقائمة قوية واحدة لـ" تغيير الوضع من الداخل" بعدما تعذّر الانقلاب العسكري، وهو ما كشف عنه الدكتور سعدون الدليمي حينها.
من هذه النقطة وغيرها الكثير، ندرك ان جهوداً يجري بذلها منذ سنوات لإعادة حزب البعث الى الحكم وإن من باب الشراكة الآن، كغطاء كفيل بتحصيل دعم أميركي وغربي، ما يجعله مرحلة ربما توصلهم الى الانقلاب واعادة نظام الاحتكار السياسي - الطائفي السابق.
أبحث عن مؤشر واحد يجعلني أُحسن الظن وأقتنع بأن البعث يريد صادقا المشاركة في إدارة وبناء البلاد، لكنني لا أجده.
بالمناسبة: هل لحسن الظن مكان في العمل السياسي، خصوصا في التعاطي مع قوى يقوم فكرها على الإقصاء والقتل والتآمر؟
مقالات اخرى للكاتب