وهذا رجل ملتحٍ مرّ بصبيان يلعبون كرة القدم، فوقف ينظر وكأنه يحن الى صباه، ورمق الصبيان الحسرة في عينيه، فصاحوا صيحة واحدة مشيرين الى لحيته: زيّنها والعب ويّانهْ، ويقصدون احلق لحيتك علّك ترجع شابا، ما يؤهلك للعب معنا، وساحة التظاهرات الآن تحتوي الشباب، اما الملتحون من المتدينين فبامكانهم حلق لحاهم والتوجه الى التظاهرات، لان التظاهرات بدأت بالشباب المتمرد ولم تبدأ بهم، وهي تظاهرات مدنية ، لاشيعية ولا سنية، ومما يعكر صفوها دخول احد اطراف العملية السياسية او كليهما من طائفتي العراق الكبيرتين.
الصبغة التي صبغت التظاهرات ذاتها بها، هي صبغة مدنية شبابية، لمجموعة من الشباب العاطلين عن العمل، شاركهم الناقمون من عدم توفر الخدمات من الاعمار المقاربة لهم، وكانت المطالبات لا تتعرض للتجربة السياسية بقدر طلب الاصلاح، لكنها توسعت وهذا هو ديدن الاحتجاجات والتظاهرات ، تبدأ من اسفل الهرم ومن ثم تصعد رويداً رويدأً، مايستدعي ان تضع الحكومة في حساباتها الاسراع في تنفيذ مطالب الجماهير او الاستقالة الجماعية، اذ يمتنع الخيار الثالث مع غضبة الجماهير التي تتسع يوما بعد يوم.
المفروض من التيارات الاسلامية وقادتها ان تلتزم الصمت على اساس انها اليمين الواضح والمتصدر للمشهد في العراق بعد 2003، وعليها ان تنظر المشهد من بعيد وتنتظر عن ماذا سيتمخض فعل الجماهير، لتقوم هي برد فعل موازي في تغيير برامجها باتجاه تطوير العملية السياسية، وتنأى بنفسها عن الاشتراك في التظاهرات، لانها لا تشكو من حق مهضوم او مصادرة في حقوقها من جهة ابداء الرأي، او ممارسة الشعائر، وهناك من يمثل ثقلها في الحكومة، اذا لم نقل ان المفسدين جميعا هم ينتمون الى تيارات اسلامية نافذة ومعروفة.
بدأت اللحى تثير غضب الجماهير المنتفضة، وهناك هاجس لدى هذه الجماهير، ان احتجاجاتها ربما ستصادر الى صالح الحركات الدينية التي تتناحر فيما بينها وتحاول كل واحدة منها ان تسقط الاخرى في مطالبات تعجيزية، تصل الى الغاء الدستور والبرلمان والذهاب الى انتخابات وربما حكومة انقاذ، او يصار الى الادهى من ذلك في السيطرة القسرية على مقاليد الامور، وهذا جميعه لم يدر بخلد المتظاهرين، اذ لا يرغب اي متظاهر من الشباب في تسييس التظاهرات، او اسقاط الحزب الفلاني او العلاني، وحتى قضية الهجوم على المنطقة الخضراء التي دعا اليها بعض المتظاهرين في الجمعة الاخيرة ، لم تكن من برنامج هذه التظاهرات.
بدأ المتظاهرون يخشون من اشتراك التيارات الاسلامية، ويتوجسون الخوف، مما دعا بعضهم الى اقرار ارتداء الملابس البضاء في تظاهرات الجمعة المقبلة، لا بداء حسن النية في ان التظاهرات مسالمة لا تستدعي حمل الهراوات والسكاكين، ولسان حالهم كلسان حال الطير الذي اراد الهبوط على بركة من الماء، فشاهد اطفالاً يحيطون بها، فخاف منهم، وانتظر حتى ذهبوا، وعندها جاء رجل صاحب لحية، اطمأن الطير له، وظن ان لحيته من علامات التقى، فنزل براحة تامة ليرتوي، فما كان من الرجل الملتحي الا ان يرميه بحجر فيصيب عينه ويفقأها، ذهب الطير شاكيا الى سليمان الحكيم، فاحضر الرجل واراد ان يفقأ عينه، اعترض الطير، وقال: لم تخدعني عينه، وانما خدعتني لحيته، فاحلق لحيته ايها الملك، حتى لا يخدع احداً غيري، ولذا نقول ونردد: زيّنها والعب ويّانهْ.
مقالات اخرى للكاتب