ندرك جيدا أن الدول التي تعتمد مبدأ التخطيط السليم والناجع في إدارة مواردها المالية والبشرية، يمكن لها أن تحمي شعبها من الأزمات الأقتصادية والسياسية التي يتعرض لها جراء التقلبات في الأسعار، والركود الذي يصيب الأقتصاد بين الحين والأخر لأسباب شتى.
وما يجري في العراق من إعادة رسم خارطة جديدة للرواتب في ظل الظروف التي يمر بها المتمثلة في نقص حاد في السيولة النقدية، وكانت احد اهم اسبابها، السياسات الأرتجالية للحكومة السابقة، التي أسهمت كثيرا في خلق حالة الأرتباك والفوضى التي نشهدها اليوم.
ونحن لا نعترض على تخفيض الرواتب بحدود معقولة، بحيث لا تؤثر على ميزانية الموظفين الذين يتعاملون مع مليارات الدنانير يومياً، وهم يتابعون ملفات الفساد وحيتانه، وربما يقع بعضهم في الخطأ، أو يستجيب للمغريات التي يعرضها الفاسدون، لقاء غلق ملفاتهم، لاسيما أولئك الذين لا يمتلكون بدل الإيجار الشهري، ويعانون أزمات مالية حادة.
فليس من المعقول أن نخفض راتب المحقق في هيئة النزاهة إلى النصف كما بدأنا نسمع، وهو يتعامل مع الملايين يوميا، ويمكن له أن يَتلف وثيقة واحدة تُسهم في تخليص الفاسد من العقوبة، وتوقع خسائر كبيرة في موارد الدولة، وربما يُفهم هذا التصور من قبل الذين عملوا ويعملون في جانب التحقيق والمتابعة في ملفات الفساد أكثر من غيرهم، وكيف يستخدم حيتانه اساليب تهديد وترغيب؟ وربما تشويه سمعه في ظل ضعف الحماية لمن يعمل في هذه المؤسسات.
أن دعوتي تتلخص بعدم شمول هيئة النزاهة والمؤسسات الرقابية الأخرى مثل ديوان الرقابة المالية والمفتشين العموميين بالتخفيضات المرتقبة التي تصل إلى ربما أكثر من (50) من الراتب الكلي، ولسنا ضد عملية إصلاح الرواتب، ولكن نأمل أن لا تكون قاسية إلى المستوى الذي يُعَرض الجانب المعيشي للخطر لمن يعمل في هذه الموسسات، مما قد ينعكس على أدائه وسلوكه الوظيفي.
ونحن هنا لا نملك إلا الرجاء لاجل التأني والتفكير جيداً قبل أصدار هذا الأمر، وأسمحوا لي ان اورد لكم مثالا بسيطا يمثل جانباً مهما هو أولى بالاصلاح ، فموازنة هيئة النزاهة على سبيل للعام المقبل (2016) هي بحدود (63) مليار دينار مقسومة على تشغيلية وإستثمارية، في حين أن هدر المال العام الذي بلغ في مشروع ماء الرصافة على فق تقديرات رسمية أكثر الف مليار دينار عراقي، وبلغة إخرى يساوي مليار دولار، فأين مبلغ (63) مليار عراقي من مبلغ (الألف مليار دينار عراقي) وأترك الباقي لكم ايها العقلاء واصحاب الشأن فأنتم وحدكم تملكون ناصية أمور الإدارة وليس غيركم، أما نحن نمتلك ناصية أقلامنا الحرة المعبرة عن رأي المجتمع.
مقالات اخرى للكاتب