من مآسينا التي نلج فيها للرقاب وليس للركاب ، استسهال توجيه التهمة للاخر المعارض للفكر او المعتقد وفي احيان كثيرة للمذهب . ولان الاتهام لا يكلف المرء فلسا واحدا في بلداننا ، فمن الممكن ان تجمع في لحظة واحدة كل هذه الصفات مجتمعة ، خائن للوطن ، مرتش محترف ، جاسوس لنظام تنجانيقا ، عميل مزدوج لدولة الغابون الاشتراكية و تقبض من المالكي "يعني من دبش" . كل هذه التهم التي انزل وما انزل الله بها من سلطان تنزل على سماخك الشريف بسلة واحدة مثل التوافقات التي يتوصل اليها البرلمان العراقي الموقر ( نظام السلة الواحدة) . في الغرب يتجنب المواطن ، المسؤولون خاصة ، توجيه التهمة اللفظية ، خاصة عبر وسائل الاعلام ، بل ان البعض يسعى لانتزاع تهمة من خصمه ، لتنتعش بعد ذلك "طلايب" القضاء و أجور المحامين ودفع التعويضات لو تطلب الامر . كل الشرائع السماوية والانبياء - حسب علمي - دعوا الى تجنب القذف و توجيه الاتهام قبل توفر الحد الادنى من الادلة على الاقل . آخر هذه الشرائع السماوية هو القرآن العظيم الذي وجه الجنس البشري المؤمن وليس المسلمين فقط الى مراعاة قولة الحق ونشر العدل حتى وان كان مع طرف يربطنا معه البغضاء : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا . اعدلوا هو اقرب للتقوى ) . و هنا يلتمع قبس من عظمة القرآن حيث لم يخصص ملة بمراعاة العدل معها ، ما يعني ان الكافر والمؤمن ، مسلما كان او غير مسلم ، جميعهم مكفول لهم حق العدل . كم هو مسكين صديقي الذي لم اره حتى اليوم ، فقد تورط وقال في احد بوستاته البريئة ما معناه ان الشعب العراقي المعاصر لا علاقة له بايولوجيا بالامم التي اسست الحضارات القديمة في ارض ما بين النهرين ، مضيفا ان كل عربي في العراق هو ضيف ، اصبح ابن البلد لاحقا ، بمن في ذلك الامامان الهمامان علي بن ابي طالب و ابنه الحسين "عليهما افضل الصلاة و السلام" . بيش بلشت يابو بشت ؟ بعد ذلك اليوم الاسود لم اقرأ بوستا لذلك الصديق المسكين الذي اندثر اسمه ورسمه من صفحات الفيسبوك و اصبح بين ليلة وضحاها اثرا بعد عين ، لعله انتحل اسما آخر ليفر من عار وشنار " الحقيقة" التي كان يؤمن بها . اضعاف التهم التي خدشتُ مسامعكم الكريمة بها في مستهل الحديث الصقت بذلك المسكين المستكين ، بعضها ماركة مسجلة للهجة العراقية كـ "لوگي" وتعني المتملق بابتذال و "غيرة سز" اي عديم الغيرة و الضمير ، و "فرخ" وهي من البذاءة ما يغنيني ويغنيكم عن شرح معناها ، و "مستوي و لاگُف " و لهما مدلول واحد يعني المخبول او الذي به مس . النبي محمد "ص" و المفروض انه قدوة لمليار ونصف مليار مسلم ، كان يواجه في كل يوم و بصدر رحب وابتسامة آسرة ، مقترحات واراء معارضة من اصحابه . ويذهب الى ابعد من ذلك حين يأخذ ببعضها ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى . و ابن عمه الكرار "عليه السلام " يجمع الرواة الثقاة ان الخوارج دأبوا على مقاطعته وهو على منبر رسول الله . وكانوا في الكثير من المرات يتجاوزون حدود اللياقة معه عليه السلام . "قاتله الله كافرا ما افقهه" هكذا كانوا يشاغبون ، دعاء لله لمقاتلة علي وتهمة له بالكفر . تصور ان ابا الحسن يتهم بالكفر وقد اسلموا بفضل بطولاته التي تجاوزت وصف الواصفين . واقصى ما كان يفعله ابو تراب هو ان يهدىء من روع اصحابه الغاضبين : رويداً إنما هو سبّ بسبّ ، أو عفو عن ذنب . هذا هو الخلق المحمدي الرفيع الذي يعلم الله اين يضعه ومتى يضعه . الذين يستسهلون توزيع التهم اليوم من دون توفر ادنى قرينة هم حفدة اولئك الخوارج ، وان كانوا ممن يدعون بانهم من سلالة الزهراء "ع" ، وكل متهَم يترفع عن المقابلة بالمثل أو الانحدار الى مستنقع متهميه هو من احفاد علي ولو كان من الهندوراس العظمى .
مقالات اخرى للكاتب